الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شيرين المزوري تكتب: فتاة الماء

صدى البلد

كان يا ما كان في قديم الزمان، مدينة صغيرة، تعيش فيها فتاة جميلة نعمْ، ولكنّ جمالها لمْ يتحدّد، لأن جسمها كان يبدو للناظرين كالبحر الأزرق المتموّج.. كانت تدعى آنجيلا.. \

ورغم أنّ آنجيلا تعيش مع والدتها مُحبة للخير، مُطيعة لوالدتها، إلا أنها -كما ذكرنا- وُلدت بجسم مائي صافِ شفاف، فكان أهل المدينة يسخرون منها و يسيئون معاملتها ويلقبونها: "فتاةَ الماء"..

سمِعتْ والدتُها بوجود طبيب في القرية باستطاعته معالجة آنجيلا، فقررت إرسالها عند جدها في القرية.

وعند الرحيل أصبحت آنجيلا وَوالدتها حزينتان. لكن ما باليد حيلة؛ لا بد من العلاج..

وصلت آنجيلا للقرية، وتفاجأت أنّ جميع أفراد القرية –أيضا- ينظرون إلى جمالها المائي العجيب، وبنفس الوقت يأسفون لكونه جمالا غير طبيعي لأنه من الماء.. حزنت آنجيلا لكنها واصلت سيرها إلى أنْ وصلتْ لبيت جدها الذي يُدْعَى "الدوق ماتيو" وكان من عائلة عريقة وغنية يعيش بمنزل فخم في القرية مليء بالمزارع والرياض والزهور، ففرح بها جدا واستقبلها بصدر حنون.. قائلا:
- ابنتي حفيدتي.. سأُعالجك بأقرب وقت وأعرضك على أفضل طبيب.

فرحت آنجيلا لسماعها كلام جدها الْمُبشّر بكلّ خير.

مرّ شهر كامل وتعوَد الجد والحفيدة على بعضهما. و بقيت آنجيلا مُتلهِّفة للعودة لوالدتها، لذلك كانت في كل يوم تُراسلها للاطمئنان عنها قائلةً:
- أمي الحبيبة اطمإني، لم يبق إلا وقت وجيز وأعود لأحضانك.. هذه آخر ليلة أبتعد فيها عنك، غدًا موعد الطبيب و سأتعافى إن شاء الله.. إنني أعُدّ الساعات لينتهي هذا الكابوس وأعود إنسانة طبيعية.. أحبك أماه..
وبينما كانت تكتب.. غفت آنجيلا وذهبت في نومٍ عميق..
انطفأ الضوء فجأة، أخذ جدّها يوقد شمعةً ليُضيء المنزل، ولكنّه تعثر بشيء ما.. وسمِعت آنجيلا صراخا:
- ابنتي.. أنقذيني..

استيقظتْ وقلبها يدقّ فَزعا.. أسرعت بفتح الباب، فوجدت دُخانًا يتصاعد، ركضتْ مسرعة لتجد جدها مرميًا على الأرض فاقدًا الوعي، والنيرانُ تشبّ مِنْ حوله. اسودّ العالم أمام عينيها، فقفزت على النيران ونسيتْ أنها مصنوعة مِنَ الماء.. فانطفأت النيران.. وانتهى الكابوس بتضحية الفتاة الصغيرة آنجيلا..

وحين وصل رجال الإسعاف وأحاطوا بالجد، وجدوا بالقرب منه جسد فتاة ناصعة البياض شديدة سواد الشعر، لم تكن تلك الفتاة الجميلة سوى آنجيلا، وقد شُفيت وذهب عنها الغشاء المائي بأكمله وتخلصت أخيرا من كابوسه.

وما مرّ أسبوع، حتى عاد الجد للمدينة برفقة حفيدته آنجيلا وقد شفيَتْ شفاءا كاملا وارتسمت على وجهها ضحكة لا تفارقها، زادتها جمالا إلى جمالها..

وحين حكت آنجيلا حكايتَها لأمها قالت لها الأم وهي تضمّها لصدرها الحنون:
- إنّ شفاءكِ يا ابنتي هو هديّةُ تضحيتك لأجل جدّك.