الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

استمر 13 عاماً وانتهى بكلمة طيبة.. حكاية أشهر خلاف في تاريخ الغناء العربي

أم كلثوم وزكريا أحمد
أم كلثوم وزكريا أحمد والقاضي

13 عامًا كانت هي مدة العراك الفني الأشهر في تاريخ الغناء العربي بين كوكب الشرق أم كلثوم، والملحن زكريا أحمد بسبب الخلاف على حقوق أدبية ومادية لإذاعة الأغنيات.

في كتابه معارك أم كلثوم، حنفي المحلاوي عن هذا الخلاف قائلا "انقلب من حب جارف لأم كلثوم من جانبه، إلى عداوة مستفحلة، لأسباب مالية وحقوق أدبية لزكريا أحمد، أنكرتها أم كلثوم في البداية، ووصل هذا الصراع الذي امتد بين عامي 1954 و1961 إلى ساحات المحاكم، ولم تفلح كل الجهود التي أبدت حرصها على تواصل الفن الأصيل بين عملاقين من عمالقة الفن في التوصل إلى مصالحة بينهما". 

أصل الخلاف

زكريا أحمد قال في حوار أجرته معه جريدة المساء في أكتوبر عام 1959 متحدثاً عن أم كلثوم "كنت أقعد معها على الطبلية نأكل، وكان هذا منذ أكثر من ثلاثين سنة، كنا عائدين من حفلة وكانت تطير من الفرح ويومها أكلنا وزة وملوخية واتفقنا على أول أغنية سأقوم بتلحينها لها لكن كل هذا انتهى".

بداية الأزمة ترجع لعام 1947، عندما اكتشف زكريا أحمد أن أم كلثوم تتقاضى عن كل أغنية لها تتم إذاعتها في الإذاعة المصرية مبالغ مالية ضخمة.

في ذلك الوقت طالب زكريا أم كلثوم بنسبة 5% مما تتقاضاه، لكن فيما يبدو أن هذا الطلب لم يلق قبولا منها، كما لم يلق قبولا من الإذاعة المصرية التي أخبرته ان أم كلثوم ادعت أن لديها ما يثبت تنازله لها عن حقوقه في الألحان مقابل تقاضيه كامل أجره، وهو ما نفاه زكريا وبدأ طريق التقاضي الطويل.

سلك القضاء

وسلك زكريا مسلكا قضائيا جادا بدءا من يوم 3 أكتوبر من عام 1951 حين قرر محامي زكريا أحمد توجيه إنذار مباشر لمن اعتبرهم خصوم القضية، حيث أرسل إنذارا على يد محضر كما جاء في الأوراق الرسمية لكل من :- الآنسة أم كلثوم المطربة والمقيمة بالزمالك بشارع أبو الفدا بالزمالك، ثانيا :مدير عام الإذاعة اللاسلكية المصرية محمد حسني بك نجيب وذلك بمقرها بشارع علوي، ثالثا: وزارة الشئون الاجتماعية المهيمنة على محطة الإذاعة اللاسلكية المصرية، رابعاً: حضرة صاحب العزة رئيس نيابة مصر الكلية.

وكتب محامي زكريا في مذكرته "طبقا للمادة 351 من قانون العقوبات المصري الموضوع عام 1937 والذي جاء فيه أن كل من غنى علنا بألحان موسيقية أو حمل غيره على التغني بها أو لعب ألعابا تياترية أو حمل غيره علي اللعب بها وترتب عليها إضرارا بمخترعيها يحكم عليه بغرامة لا تتجاوز 20 جنيها.

وتضيف العريضة أنه بناء علي ذلك يطالب أم كلثوم بعدم القيام بعملية الغناء علنا لألحانه على اختلاف أنواعها كما يطالب محطة الإذاعة تنفيذا للمادة 351 بعدم التصريح لأم كلثوم بذلك الغناء.

وإلتمس محامي زكريا أحمد من النيابة أن تتفضل وتقوم بمهمتها في منع وقوع الجرائم الضارة بالأفراد وبحقوقهم على اختلاف أنواعها والمتمثل هنا في ترك الغناء يحدث بتلك الجرأة وبهذا الاعتداء.

رد أم كلثوم 

لم تتأخر أم كلثوم عن المواجهة القضائية إذ تقدم محامي أم كلثوم بمذكرة بعد أسبوعين فقط تفيد بأن زكريا أحمد قد تلقي كل حقوقه المادية عن ألحانه، وتنكر عليه أي حق فيما تتلقاه من أموال نظير الأداء العلني لتلك الألحان، وهو الرد الذي دفع محامي زكريا لتقديم مذكرة ثانية بتاريخ 7 نوفمبر 1951، وبعد أقل من شهر علي مذكرته الأولى، يفند فيها ادعاءات أم كلثوم في لغة قانونية شديدة الحدة، وسعت إلي حد كبير من فجوة الخلاف بين زكريا وأم كلثوم.

ونصت المذكرة "بناء علي طلب الأستاذ زكريا أحمد الملحن المعروف، والمقيم بشارع كامل صدقي باشا رقم 54 أن المحضر توجه في تاريخه وأعلن الآنسة أم كلثوم ومدير الإذاعة بتاريخ 3 أكتوبر 1951 بموضوع اجترائهما علي إذاعة الحان الطالب دون تصريح منه ودون دفع أجره المعلوم والمقرر قانونا وأنه بتاريخ 17 أكتوبر بعثت أم كلثوم بإعلان للطالب ترد فيه على ما جاء بإعلانه قد زودته بما شاء لها خيالها من أقاويل وادعاءات لم تصادف مكانهما من الحقيقة ."

نهاية التقاضي 

بعد 23 عاما في أروقة المحاكم، كتب المحلاوي في كتابه "لكن في النهاية وبعد أن جمعهما القاضي الذي كان ينظر في الدعوى وأشاد بهما باعتبار أن الجيل كله يتطلع إليهما، وأنه هو نفسه غير قادر بالنطق بالحكم على أي منهما، ودعاهما برجاء حار أن يوقفا هذه الدعاوى التي تسيء إليهما قبل أي شخص آخر، اندفع الشيخ زكريا أحمد وقرر الاستجابة لطلب القاضي وسحب الدعوى، فما كان من أم كلثوم إلاّ أن أعلنت أنها ستقدم له كل ما يطالب به عن طيب خاطر، وهكذا طويت صفحة مهمة من تاريخ أم كلثوم وصراعاتها على يد القاضي عبدالغفار حسن رئيس المحكمة.

تكريم أم كلثوم لـ زكريا بعد وفاته

اجتمعت لجنة جوائز الدولة التقديرية للفنون في عام 1961، لمناقشة ترشيحات نيل الجائزة، وكانت أم كلثوم أحد أعضاء اللجنة، فاقترحت منح الجائزة لزكريا أحمد، قائلة: إن وفاة الفنان الخالد، لا يمكن أن تكون عائقا لمنحه جائزة.

قوبل طلب أم كلثوم وقتها بدهشة باقي الأعضاء، حيث كانت تلك المرة الأولى التي تتلقى فيها اللجنة اقتراحًا بمنح الجائزة لفنان متوفي.

في الأخير وافقت اللجنة على اقتراح أم كلثوم، ورفعت قرارها إلى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب الذي له الكلمة الأخيرة في ترشيح الموسيقار للفوز بجائزة الدولة التقديرية التي كانت قيمتها في ذلك الوقت 2500 جنيه.