الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيام محيى الدين تكتب: صفحات مضيئة لمواقف الصحافة المصرية "الصحافة وإلغاء معاهدة 1936"

صدى البلد

شاركت الصحافة المصرية بنصيب وافر في بلورة الرأي العام والنهوض به إلى الدرجة التي جعلته متأهبًا للتغيير ، وكانت أقلام الصحفيين موجهة للتغيير وكانت وظائف الصحافة تتطور بتطور المراحل التاريخية التي يمر بها المجتمع الذي تصدر فيه الصحفية حيث تضيف كل مرحلة تاريخية وظائف جديدة للصحافة لتلبي احتياجات التطور الذي يحقق للمجتمع تطلعاته خلال هذه المرحلة التاريخية فالصحافة تملك السلطة والتأثير والنفوذ داخل النفوس وبالتالي لها أهميتها خاصة عند رفع الرقابة عنها وهو ما كانت تتمتع به حين تولت وزارة الوفد الحكم عام 1950 مما أعطاها الحرية في تبني القضية الوطنية ؛ وقد أسهمت الصحافة بدور مؤثر فعال في الحث على إلغاء معاهدة 1936.

وقد قام " ستيفنسون " ( السفير البريطاني الذي خلف كيلرن في مصر ) بنقل ما جاء في سطورها لحكومته مبينًا أنها تقدم الخبر الصحفي من وجهة نظر معادية لبريطانيا ونشر الفظائع التي تحرص على إثارة الاضطرابات ليس فقط عن طريق الكتابة ولكن بالتوثيق بالصور أيضًا ونادت الصحافة الوفدية في هذه الفترة الحرجة بوحدة الصف الوطني فنشرت " البلاغ " مقالات تحت عنوان ( من أفواه الجماهير ) يستنفر فيه كاتبه المصريين لمواجهة الموقف ضد الإنجليز ويناشدهم بتجنب الخلافات والفرقة مبيننا أن العدو واحد وأن على الأقلام التي كانت أشد حماسة في المطالبة بإلغاء المعاهدة ومؤاخذة الحكومة على التأخير واتهامها بالتسويف والمماطلة أن تفطن أن الإلغاء أصبح أمرا مسلما به وغدت البلاد في حاجة إلى وحدة عملية تؤيد القائمين على هذا الأمر في تنفيذ خطواته الحاسمة ثم يوضح الكاتب أن الإلغاء لابد أن تعقبه معركة مع الإنجليز ، ولابد من وحدة الكفاح ؛ وفقدت السفارة البريطانية أعصباها من جراء الحركة الجماهيرية التي غطت أرض مصر وبعث " ستيفنسون " إلى الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية المصرية محتجًا على ما نشرته " الأهرام " التي سجلت وصفا تفصيليا لمؤتمر طلابي جرى الحديث فيه عن القضية المصرية منذ الاحتلال وحتى إلغاء المعاهدة ، وطالبوا الحكومة أن تعلن أننا في حالة حرب مع بريطانيا ؛ وأن قواتها الموجودة في مصر والسودان قوات معادية ، وإباحة حمل السلاح ضدها واعتبار الكفاح المسلح لا يشكل جريمة في القانون المصري ، وقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع المحتلين وسحب امتيازات الشركات الإنجليزية أسوة بما فعلته إيران التي أممت بترولها في العام السابق 1950 وتجميد أموال الرعايا البريطانيين ؛ ويواصل السفير البريطاني تحليله بأن صحافة المعارضة مضت تزاول مهمتها السابقة في مساءلة الحكومة عن مدى إخلاصها للقضية الوطنية ؛ وتستعجلها من جديد في اتخاذ إجراءات صارمة ضد بريطانيا وتتهمها بأنها تعوق كتائب التحرير في حملتهم الهادفة لحرمان القوات البريطانية من المؤن ؛ وتحذر مجلة " آخر لحظة " هذه الكتائب من التعامل مع الحكومة ، وفي مقال آخر حمل عنوان " احذروا غضب الشعب " يتناول أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة مناورات الرجعية التي تريد إحراج مركز الحكومة لإسقاطها والعودة للتفاهم مع الإنجليز [ وهو ما حدث فعلا بعد ذلك في أعقاب حريق القاهرة في يناير 1952 ] وبين ان الاشتراكيين على الاستعداد لتدعيم الحكومة بكل أخطائها ونقائصها وأنه لا طريق لحرب الإنجليز والانتصار عليهم إلا باتباع سياسة شعبية ، ويطالب الحكومة مرة أخرى بقطع العلاقات مع الإنجليز ؛ وأنها إذا لم تفعل ذلك فورا فإنها لا تستهدف مصلحة الأمة ولا تخدم قضيتها ؛ وإنما تفكر بعقلية الإقطاعيين والرأسماليين وحينئذ يصدق ما يقال عنها بأنها ألغت المعاهدة لمصلحة حزبية بحتة بهدف البقاء في الحكم.

ويستاء السفير البريطاني من تلك الحملة خاصة " الدعوة إلى المقاطعة " حيث يحس بخطرها الداهم على القوات البريطانية وتصارح " أخبار اليوم " الحكومة في مقال بعنوان " ماذا في الجو السياسي " ردا على ما جاء بصحيفة " المصري " من أن هناك مؤامرات خفية لإقصاء النحاس باشا عن الحكم فتؤكد ضرورة تحقيق إرادة الشعب في الجلاء وأن المعارضة تؤيد الحكومة في إلغاء المعاهدة وخلافها مع الحكومة يرجع إلى أنها لم تتخذ الخطوات والاستعدادات اللازمة والكافية للخطوة التالية وينتهي الكاتب إلى أن الحكومة في يدها أن تطيل عمرها أو تقصره وأن توفيقها في دعم كفاح الشعب هو السبيل للقضاء على أي احتمال لخروجها من الحكم وبذلك يتبين أنه عندما حاولت الحكومة التخفيف بعض الشيء من غلو الاشتعال الوطني ، وقفت لها الصحافة بالمرصاد. وتستمر الصحافة في الطريق الثوري ويوالي السفير " ستيفنسون " شكواه منها للندن ويركز على ناحيتين: الأولى ما سردته الصحافة بشأن التصرفات البريطانية الإجرامية من قتل وسلب وخطف بمنطقة القناة ويستشهد بما نشرته " الأهرام " عن المقارنة بين بريطانيا وألمانيا النازية وتعليقها بأن تلك الأعمال تزيد من المقاومة وأن نهاية " هتلر " ماثلة أمام أعين الإنجليز.

والثانية: وصف الصحافة لمآثر كتائب التحرير وكيف أن الحكومة أصابت عندما وضعتها تحت إشرافها ، واللقاءات الصحفية مع الفريق عزيز المصري قائدها وإنذاراتها للإنجليز وحملاتها على المعسكرات البريطانية والعمليات الفدائية التي قامت بها وأخيرًا ينبه السفير البريطاني أن نتائج الانتخابات البريطانية التي فاز فيها غلاة المحافظين لم يكن لها تأثير على الصحافة حيث سجلت الأهرام القول " سقوط العمال لا يسبب لنا أي أسف ونجاح المحافظين لا يصيبنا بأي انزعاج " ومعنى ذلك أن السياسة البريطانية الإمبريالية لا تتغير وبالتالي فالأمل مفقود في حل القضية المصرية إلا عن طريق استخدام القوة ، ويواصل قسم المعلومات بالسفارة البريطانية نقل وقائع المؤتمرات الصحفية إلى لندن ويبين أن وزير داخلية مصر يداوم على حضورها ؛ ولكن المسئول البريطاني يذكر في هذه المرة مناشدة الوزير " فؤاد سراج الدين " الصحافة بتحري الدقة والنظر إلى الحقائق في تقاريرها عن أحداث منطقة القناة ثم يشير إلى ما نشر حول اقتحام القوات البريطانية لكنيسة قبطية بالإسماعيلية واعتدائهم على المصليات وأن ذلك لا أساس له من الصحة حسب ما أبلغته به السلطات العسكرية التي كان يعتمد على تقاريرها ، ويرصد أخبار الصحافة ورواياته على أنها غير دقيقة.

واستطاعت الصحف في هذه الفترة التي خلت من قيود الرقابة إلى حد كبير أن تقاوم الاستعمار وتكشف أساليبه ومذاهبه ودعواته وادعاءاته وأن تؤيد الحرية وتوضح الكثير من آثام وجرائم الاحتلال وأن تعالج مشكلات الأقطار التي تصدر فيها.