الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. حرفي زخرفة يروي كواليس نشأة الأديب ولمساته الإنسانية بالجمالية.. فيديو

صدى البلد

الكاتب الكبير نجيب محفوظ حالة أدبية فريدة من نوعها، أسقت الأجيال موروثا ثقافيا وأدبيا يسري في شرايين عقولهم حتى وقتنا هذا، حمل فكرا ورؤية روائية، نادرة ما تحدث بين عموم الأدباء، فهو الأب الروحي للرواية المصرية التي اتسمت بالطابع السياسي والاجتماعي يواكب كافة العصور والأجيال، فاليوم ذكرى ميلاده المائة وسبعة، وإحيائها يضفي إكليلا من الثقافة والأدب الروائي، لا يزال حيًا في عقول المصريين الذين يقدرون قيمته في الفن الروائي والقصصي، ولهذا أقدم موقع “صدى البلد” الإخباري على التعرف على حياة نجيب محفوظ في مكان نشأته بحي الجمالية والحسين التي تفوح بذكريات الأديب العظيم في اروقة المقاهي و منزله.

في حارة منزوية بدرب “قرمز بحي الجمالية، يقابلها نفق مشاة صغير، يجلس الحاج " محمود" بشاربه الأبيض، وجلبابه المنمق وطاقيته شديدة البياض، بوجه بشوش يتخلله الطيبة والسماحة تروي الكثير من ذكريات الزمن الجميل، متكئ على عكازه الأسمر ليسترجع ذكرياته، مع الأديب نجيب محفوظ الذي عاصره منذ صغره وفي شبابه.

بعيون صغيرة يشوبها الشرود استند الحاج محمود صاحب الـ 81 عاما، على كرسيه البلاستكي، القابع على رصيف مقهى بلدي، التي كانت في الماضي منزلًا ترعرع فيه، الأديب نجيب محفوظ، قبل أن يهدم ويعيد بناءه كمنزل مكون من عدة طوابق يتخلله مقهى، راويًا ذكريات رؤيته لـ نجيب محفوظ قائلًا "أنا عمري كله عشته في الجمالية والحسين 81 سنة متربي في المكان ده، نجيب محفوظ كان ساكن وهو صغير في منطقة اسمها بيت القاضي المكان اللي إحنا قاعدين فيه ده، بس هو مشى وهو عنده سبع سنوات وانتقل مع عائلته للعباسية، وكنت بشوفه وهو صغير بس مكنش لي معه كلام أو احتكاك كتير لأنه كان راجل علم وأنا كنت أصغر منه".

كل ما كان يلاحظه الحاج "محمود" صاحب ورشة لزخرفة الفضة، دماثة أخلاق الكاتب وتواضعه مع الجميع، وحبه لأهالي منطقته، التي نشأ فيها والاستفادة منهم في أعماله الروائية، بحسب وصف الحاج الثمانيني.

يتذكر حرفي زخرفة الفضة سابقًا، جلوس نجيب محفوظ على مقهى الفيشاوي وسط البسطاء، خاصة مع بائع كتب عاجز كان يفضل الجلوس معه للاستفادة من كتبه وهو في مرحلة الشباب في مقابل منحه كوب من الشاي على المقهى بقيمة قرش صاغ آنذاك: "نجيب محفوظ الله يرحمه كان بيحب يستفيد من الناس، ومن حكاويهم كانت بتساعده في الكتابة والإبداع، خصوصًا كان بيحب يقعد مع رجل كبير وعاجز بيبيع كتب عشان ويفتح لنفسه أبواب للكتابة".

عشق نجيب محفوظ الجلوس مع أحد جيرانه القدامى بمنطقته القديمة وهو الحاج عزت السكري، دائمًا كان يتردد عليه حين يعكف على زيارة مكان نشأته، لزيارته والتودد إليه، لتربطهم قصص وحكاوي ميزته عن الأشخاص الآخرين واكبوا الأديب الراحل، إلا أن الحاج السكري توفي وهو بعمر 101 سنة، لتدفن معه ذكرياته مع محفوظ، وفقًا لرواية الحاج محمود.

يرى الثمانيني أن نجيب محفوظ، كان يحن إلى منطقته من آن إلى آخر، مهما طال غيابه، إلا أنه يعود إلى الحارة التي نشأ فيها ليلتقي بأحبائه، وكانت تلك الأماكن بقاطنيها تسري في دمه، وتداعب حنينه الذي يدفعه إلى زيارة تلك الأزقة والدروب آنذاك.

لم يبق من تراث نجيب محفوظ سوي ذكريات يختزنها الحاج محمود في عقله، دون أن يصيبها النسيان مهما كبر عمره، وذلك بعد أن تحول منزل نجيب محفوظ المهجور، إلى بيت ومقهى يجلس عليها أهالي المنطقة، لسماع حكاوي الحاج محمود عن الروائي نجيب محفوظ.

بأنفاس متنهده تثقلها الحزن، يتحسر الحاج محمود على الزمن الجميل بعد تعاقب الأجيال واختلاف طباعهم عن الأجيال السابقة، قائلًا "زمان كان الصغير بيحترم الكبير وكان في أخلاق وأصول، وكله كان بيحب بعضه وبيودوا بعضه، والناس كانت جميلة وبتبتسم في وش بعض، كل حاجة حلوة كانت بتجرى فى دمهم، بعكس الأجيال الحالية".