الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من محلات سوريا إلى أرصفة المحروسة.. حكايات الفارين من جحيم الحرب «عشان لقمة العيش».. صور

الباعة السوريين في
الباعة السوريين في مصر

جاءوا من مسقط رأسهم بقرية الحيدرية في سوريا محملين بأعباء الحرب التي أثقلت كواهلهم، وارتسمت على وجوههم التي اكتسبت حمرة زائدة مآسي فاقت أعمارهم الصغيرة، وطغى على حديثهم إلينا ذكريات الماضي الجميل، حين كانوا يتخذون من الحيدرية موطنًا تجاريًا لبيع "الجواكت" وملابس الشتاء في محالهم التجارية، إلا أن الرياح جاءت بما تشتهي السفن، فأصبحت محالهم رمادًا، وجاءوا بما تبقى معهم إلى مصر ينثرون غبار الحرب على أرصفة المحروسة، متنقلين بين شوارعها وأحيائها بحثًا عن لقمة العيش.


في قرية المنصورية بالهرم، افترش عشرات الباعة السوريين الأرض، رفقة زوجاتهم وأطفالهم، كبارهم وصغارهم، من أجل عرض بضاعة الشتاء إلى الجمهور، من بينهم عبد السلام شاب عشريني وقف حاملًا على يديه قطع من أغطية الشتاء يعرضها على الجمهور، وبينما هو كذلك تذكر في حديثه إلى صدى البلد كيف دمرت الحرب في سوريا نشاطه التجاري.

"كنا مبسوطين لكن جاءت الحرب واتبهدلنا كثير".. كلمات صغيرة أوجز بها عبد السلام حياته المليئة بالصعاب، كان عبد السلام قبل اندلاع الحرب في سوريا له محل تجاري خاص لبيع الملابس الشتوية في قرية الحيدرية التي تطل على الحدود التركية، "لما جاءت الحرب بين الأسد وداعش تركنا مكانا وجينا على الأردن عيشنا في المخيمات، ثم انتقلنا إلى مصر عن طريق نويبع بالعبارة، وبقالنا في مصر سنتين نبيع الجواكت في كل سنة بمكان مختلف".

يعيش عبد السلام في منطقة الدراسة رفقة العشرات من الأسر السورية المهاجرة والمتنقلة، لا يملكون مكانًا محددًا لبيع بضاعتهم، مرة في التجمع ومرة أخرى في أكتوبر، استقر بهم الحال في هذا الشتاء نحو قرية المنصورية التي جذبتهم "عشان فيه هات وخد مع الزبون"، يقول عبد السلام بينما يلتفت بوجه إلى فرشته الصغيرة ليعرض الأسعار على أحد المشترين "الجاكت ده بـ 250 جنيه، وده بـ 300". 

يحصل عبد السلام على بضاعته من مصانع الملابس في مدينة السلام، يقول إن "الجواكت بعضها تركي والآخر مصري". سريًعا ما يتهافت المشترون على بضاعة عبد السلام، يتفحصونها ويتجادلون في الأسعار إلى أن يسود الصمت قليلًا، يقطعه عبد السلام بكلمات غير مفهومة إلى شريكته في البيع، بين كل وقت وآخر يتحدث عبدالسلام اللغة التركية أثناء البيع "ده سر ما بيننا عشان ما حد يفهمنا واحنا نبيع".

تعلم عبدالسلام اللغة التركية عندما كان بائًعا في قرية الحيدرية المطلة على الحدود التركية، بحكم عمله هناك أتقن التركية، وصار يستخدمها رفقة البائعين السوريين في في وقت البيع إلى المستهلك المصري، الجميع هناك يتحدث التركية والسورية والمصرية أحيانًا نتيجة الاختلاط بكل الجنسيات، وهو ما يفسره علي محمد 19 سنة- بائع سوري بقوله "نحن نبيع لمصريين وأردنيين والباكستانيين، نبيع كل لما ييجي ناس نبيع".


مثل مواطنه، وصل علي إلى مصر منذ عامين قادمًا من مخيمات الأردن نتيجة الحرب التي دمرت محله في الحيدرية، تزوج في سن مبكرة بفتاة سورية اسمها زينة تشاركه البيع وتلازمه أينما حل " لما جيت مصر اتزوجت.. هاعمل ايه يعني!".. تلتقط زينة أطراف الحديث بينما يغلف وجهها برقعًا أسود اللون ظهر منه عينيها المكحلتين " نحنا تزوجنا بدري عشان نكبر مع عيالنا".

لم يُرزق علي وزينة بطفلٍ، لكنهما يحلمان بالاستقرار كما كان بقرية الحيدرية قبل اندلاع الحرب، في حديثه بدا عليه البحث عن مكان لمحل تجاري لعرض بضاعته الشتوية والصيفية، ففي الشتاء يبيع علي ومثله الباعة السوريين الملابس، وفي الصيف "نبيع خواتم وساعات وإكسسوارت".

لا يعرف علي غير بيع الملابس، ولم يتخذ مهنة غيرها بالرغم من الشقاء الذي يحيط به بحثًا عن لقمة العيش، وعمله الذي يمتد لأكثر من 12 ساعة يوميًا في ظل أوضاع معيشية صعبة " نحن تعلمنا الشغل ده ومش هنشتغل غيره". يقول علي.


ما يعرضه علي وعبد السلام لفت انتباه "بلال" رب أسرة مصري يعمل حداد مسلح، ويعيش في الهرم " الأسعار هنا رخيصة وانا اشتريت جاكتين بـ 400 جنيه، صعب نلاقي السعر ده في مصر"، وبخلاف الأسعار فإن بلال يرى أن البائع السوري "بياخد ويدي في الكلام عن المصري"، وينتظر بلال بداية الشهر المقبل ليشترى لأبنائه كسوة الشتاء من الباعة السوريين.


علي وعبد السلام ضمن أكثر من 500 ألف لاجيء سوري جاءوا إلى مصر منذ اندلاع الحرب هناك، ويعملون منذ قدومهم إلى مصر في التجارة ومهن حرة، وبالرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة فإن استثمارات السوريين في مصر بلغت نحو 500 مليون دولار تتركز في مجالات الأقمشة والمنسوجات والخيوط، حسب ما قال خلدون الموقع رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر في تصريحات سابقة.


وبالرغم من الأوضاع في سوريا، يأمل علي وعبد السلام في استقرار الأوضاع في المدن المنكوبة، للعودة إلى الوطن ومزاولة نشاطهم التجاري " ان شاء الله تحصل تسوية وبعدين يعملوا انتخابات وتبتدي الدنيا تستقر زي ما قالوا ونرجع لشغلنا وأهلنا هناك" يقول عبد السلام.