الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب البراهمي تكتب: تناقض

صدى البلد

أو بمعني أدق -يقولون مالا يفعلون- أصبحت هذه المقولة هي الصفة المميزة لأغلب البشر، ولا أدري لماذا أصبح أغلب الناس حديثهم في واد وتصرفاتهم في واد آخر - وأحيانا سلوكيات في واد، وسلوكيات أخرى متناقضة تماما.

وللأسف ليس هذا علي مستوي البشر العاديين، مثلي ومثل غيري، ولكن حتي علي مستوى المسئولين،  والذين يناط بهم أمور مهمة تمس طائفة عريضة من الناس.

فمثلا إذا وجدنا موظف في مركز كبير ومسئول، ويصلي ويصوم ويظهر بأنه يتقي الله، وهو فعلا يتقي الله في كثير من التصرفات، ولكنه مؤذي لأكبر عدد من الناس، ويسبب لهم الأمراض والأوجاع، ويتسبب في فقدانهم صحتهم وأموالهم، وذلك بطريق غير مباشر منه، فعندما يكون مدير شركة ويلقي قاذورات تلك الشركة في النيل، أو يتخلص من مخلفات المصنع في النيل وهو يعلم أن تلك المخلفات سوف تلوث الماء، وسوف تتسبب في الأمراض للبشر، فأقل وصف يوصف به أنه قاتل.

وكذلك الموظف الذي يقوم بإلقاء ماء الصرف الصحي في النيل أو في الترع التي يشرب من مياهها الزرع أو الحيوان، وذلك لأنه يريد أن يوفر قدر من الأموال والتي هي ثمن البنزين، أو الوقت كي لا يذهب إلي مكان بعيد ويلقي حمولته.

فماذا يكون هذا الإنسان؟ فهو أيضا قاتل وشرير.. وربما يكون يصلي ويقرأ القرآن.

كثير منا ينتقد سلوكيات الآخرين مدعيا أنه أفضل منهم وهو غير ذلك، فمثلا عندما قامت تونس بإصدار قانون يبيح للشخص أن يتصرف فيما يملك كيف يشاء فيطبق الشرع أو لا يطبقه.

فأنا وإن كنت أود أن يكون الإحتكام لقواعد الشريعة الإسلامية في مثل تلك الأمور، حيث إنها المصدر الأساسي للتشريع في الدول الإسلامية، إلا أنني أجد أن ذلك القانون لم يحرم حلالا، فهو لم يفرض أن يتم التقسيم بالتساوي ولكن ترك الأمر للمورث فمن أراد الالتجاء إلي الشرع فهو حر، وذلك هو ما يحدث في الواقع، لأن البعض قد يقسم تقسيما لا يمت للشريعة بصلة.

والغريب أن تجد أن أكثر الذين أظهروا الاستياء من هذا القانون هم الذين يقسمون أموالهم قبل موتهم بطرق ملتوية كالبيع والشراء، فكثيرا جدا من الشعب المصري والذي لديه بنات فقط، يقوم ببيع ممتلكاته لبناته كي لا يرثه أخوته، ولا يري في ذلك غضاضة، وقد يبيع شيئا لزوجته، ولا يعتبر ذلك تدخلا في أنصبة الميراث.

بل والأسوأ أن يحرم أخت له أو أخوات نساء من الميراث حتي بعد موت مورثهم، بالرغم أنه ربما يكون مقيما للصلاة وصائما وقارئا للقرآن.

لا أعرف لماذا أصبحنا لا نعيش واقعنا كما هو في داخلنا، لماذا نظهر عكس ما في وجداننا، نضحك علي من؟ أو نخدع من؟

من يملك فينا أكثر مما نملك نحن في أنفسنا.. بالطبع لن نستطيع أن نخدع الله لأنه أعلم بالسر وأخفي.. فلماذا لا نرضيه ؟ لماذا نعصاه؟ ونريد أن نقول للبشر إننا نخافه.

لماذا لا نخافه حقيقة فلا نؤذي غيرنا، ونحافظ على بيئتنا ونحفظ ألسنتنا.. لماذا كل منا لا يعمل بضمير يقظ..
نحن نتحدث ونتحدث عن الدين ولا نعمل والدول التي تقدمت لم تتحدث عن شيء، إنما تعمل بالأخلاق الفاضلة، ومن منبع المسئولية والضمير اليقظ، لا يقومون بعمل إعلانات للتبرع بما يفيض عن حاجتهم مثلما نفعل، ولكنهم يعرفون كيف يعطون فائض ما عندهم لمن يستحق دون ضوضاء، ودون إعلانات كبيرة عن البر والإحسان،
وأكثر ما يحز في نفسي جدا أن الإنسان المصري الفرعوني القديم والذي لم يعرف الله أقسم ألا يلوث ماء النيل، وبر بالقسم.

ونحن لا نملك قانونا يحفظ لنا مياهنا من التلوث ولا يوجد لدينا من إتباع الدين ما يكفي للحفاظ عليها، في الوقت الذي أشعلنا الدنيا صراخا خوفا من بناء سد على منبع النيل يقلل نسبة الماء لنا، ولم نسأل أنفسنا ماذا فعلنا نحن بالماء غيرأننا لوثناه، ولم نحافظ على نعم الله لنا.