الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بطولات بورسعيدية.. كيف قتل الطفل عسران ثعلب المخابرات البريطانية برغيف خبز؟

صدى البلد

على مدار السنين كانت مدينة بورسعيد رمزا للبطولات والتضحيات، والتي خلدها التاريخ، لما قدمته المقاومة الشعبية في المدينة الباسلة من بطولات خاصة خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م.

الانتصارات والبطولات التي قدمها أبناء بورسعيد لا يمكن لأحد أن ينكرها، سواء التي قدمها الشباب أو النساء أو الأطفال، فالتاريخ سجل لكل منهم دوره في الدفاع عن الوطن والتصدي لعدوان الاحتلال على المدينة الباسلة، حتى حمل غالبيتهم السلاح للدفاع عن أرض مصر وتراب مدينة بورسعيد.

من بين تلك البطولات التي خلدها التاريخ، وسطرتها صفحاته، مقتل ضابط المخابرات البريطاني وليامز على يد الشاب البورسعيد «عسران» والذي لم يكن يتجاوز وقتها السادسة عشرة من عمره، إلا أن بطولته شجعته على قتل الضابط البريطاني ثأرا لبلده ووطنه.

قصة مقتل الضابط البريطاني، رغم غرابتها لم تكن جديدة عن عادات أبناء بورسعيد خلال مقاومتهم الباسلة، حيث وقف الشاب «عسران» على ناصية الشارع يرتدي بنطلونا وقميصا بالرغم من شدة البرد و فى يده رغيف من الخبز يقضم منه قضمات صغيرة وهو ينظر إلى الشارع فى قلق، وفجأة أقبلت من شارع رمسيس سيارة صغيرة كانت تنطلق بسرعة و زجاجها مغلق و فى داخلها ثلاثة رجال.. احد هؤلاء الرجال الثلاثة كان الميجور جون وليامز ثعلب المخابرات البريطانية.

كان وليامز يستعمل السيارة المدنية الصغيرة فى تنقلاته السريعة و كان دائما يغلق زجاج النوافذ خوفا من قنبلة قد تلقى عليه، وخلال سيره بالشارع لمح «عسران» السيارة، وانتابه الخوف حتى تمالك نفسه بعد ثوان ودس يده فى جيبه ثم أخرجها وفيها ورقة كتبت بها سطور كثيرة باللغة الانجليزية، ولوح بيده لسائق سيارة وليامز و لكن السائق قد تخطاه و لم يقف.

وخلال مرور السيارة شاهد «وليامز» الورقة المكتوبة بالانجليزية، فطلب من السائق الوقوف و الرجوع إلى الخلف، حتى فتح وليامز زجاج سيارته بحرص و نظر بعينيه الزرقاوين إلى الشاب الصغير الذي يقضم رغيفا من الخبز وقابل الشاب نظرة ثعلب المخابرات البريطانية بنظرة أخرى ثابتة بريئة.

ثعلب المخابرات البريطاني، سأل الشاب «عسران» عن طلبه، فقدم له ورقة أسقطها داخل السيارة، حتى حاول «وليامز» التقاطها، من داخل السيارة، وخلال بحثه عنها في السيارة ألقى الشاب البورسعيدي قنبلة كانت بحوزته داخل السيارة.

الشاب البورسعيدي ألقى رغيفه داخل سيارة ثعلب المخابرات البريطاني، وعيناه تلمعان بالعنف، وقبل أن يعتدل وليامز وفى يده الخطاب فوجئ بمساعده الكابتن جرين يفتح السيارة بعنف و يحاول الخروج منها و لمح وليامز الرغيف الذي كان في يد الشاب تحت قدميه فى دواسة السيارة و كان الشاب قد اختفى من الشارع، وأدرك وليامز الفخ، حتى فتح باب السيارة محاولا الخروج و لكن الانفجار دوى.

سقط وليامز على ارض الشارع وفى يده مسدسه و راح يطلقه بغير حساب فأصيب أربعة من اليونانيين كانوا يسيرون فى الشارع بينهم طفلان و لكن إصابتهم لم تكن قاتلة، وجرح سائق سيارة وليامز وانكفأ على وجهه بداخل السيارة فوق عجلة القيادة، و ظل وليامز راقدا فى مكانه يسبح فى بركة من الدماء و فى يده مسدسه و عيناه الزرقاوان تبحثان فى الشارع عن عسران، فهو مصاب بالسكر منذ سنوات و القنبلة مزقت نصفه الأسفل تماما.

أقبلت الدوريات البريطانية من كل صوب وحملوه إلى عربة الإسعاف الخاصة بهم و لكنه مات بعد ذلك فوق ظهر الباخرة "المستشفى" التي نقل إليها بسرعة، أما «عسران» فقد أسرع الى الحي العربي و لم يكن عسران ينفذ العملية وحده، كان يحرسه من بعيد أفراد مجموعته الأبطال و هي نفس المجموعة التي خطفت مورهاوس وهاجمت مطار بورسعيد.

بطولة «عسران» وقتله للثعلب البريطاني وليامز، كانت انتقاما لمقتل أخيه الذي قتله العدوان البريطاني، حتى شعر بعدها أن انتقامه من وليامز غير كاف.

لم تقتصر البطولات والتضحيات على مهران وعسران ومجموعة خطف مورهاوس، ومن قبلهم الحاجة زينب وأم علي ونبيل منصور، أبناء الباسلة في الدفاع عن تراب مصر ومواجهة قوى العدوان، فهناك العديد من الأبطال الذي قدموا التضحيات سوف يلقي "صدى البلد" خلال الأيام المقبلة الضوء عليهم حتى تظل بطولاتهم عالقة في أذهان المصريين وملهمة لإشعال روح الانتماء والوطنية، فلو لم تكن بطولاتهم وتضحياتهم، ما نعمنا بالعيش على تراب ذلك الوطن أحرارا.