انسدل الستار منذ أيام قليلة ماضية علي عام مضى بكل ما فيه من مسرات ومكدرات،لتشرق شمس عام جديد ،متمنين فيه أن نحقق كل ما لم نسطتع تحقيقه خلال السنوات الماضية، متفائلين بما تحمله لنا طياته، ومستبشرين بأيامه القادمة ،آملين أن يكون عاما بلا فقدان ولا خسران . إنما عاما يملؤه سعادة نفتقد إليها كثيرًا ،و بهجة نتلهف عليها،وأحلام نسعي إلي تحقيقها في القريب العاجل،وأفكار نهتدي بها إلي تطوير أفكارنا، وتجارب تثقل خبراتنا، ونجاحات نجني ثمارها، وإنجازات نقطفها في مجال العمل ،وراحة تنعم بها حياتنا الشخصية ،وهدوء يسود عقولنا ، وسكينة تريح قلوبنا.
قبيل بدء العام الجديد، لاحظت -أثناء متابعتى لمظاهر الاحتفال التى قامت بها أغلب القنوات الفضائية، إن لم يكن كلها - ،فالكل يتهافت في جذب انتباه المشاهد لاسيما يوم رأس السنة ،ويتسابق لظهور في ثوب جديد أكثر رونقا وجمالا، لما لليوم من أهمية بالنسبة لمسلميه قبل مسيحيه .ولكن أكثر ما كان ملفتا حقا وجدير بالملاحظة هو سياسة تبنى القنوات الفضائية لبرامج تلفزيونية تتحدث عن الأبراج الفلكية، وما يحمله كل برج لصاحبه، وما ينتظره من أمور أحيانا تكون مفرحة لبعض الأبراج ،ومحزنة لأبراج أخري....كيف يمكن للمرء أن يطأ بقدميه في عام يظن أنه سيكون عامًا سيئًا لمجرد أن عالم الفلك قد صرح أن برجه هذا العالم لم يحالفه الحظ ولن يكون موفقا في أغلب قرارته الفترة القادمة؟!
استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تؤيد البرامج التليفزيونية في مضمونها، و أمطر رواد السوشيال ميديا فيديوهات كثيرة عن صفات الابراج ، وطباع أصحابها. واستجاب بالفعل المستخدمون لتلك الفيديوهات ، و بدأوا بنشرها على صفحاتهم الشخصية، معلقين عليها بأمنيات ترتبط بما يقال عن برجهم الفلكي، وقد تعاملوا مع الكلام على أنه حقيقة وسيحدث في الواقع القريب، فمنهم من يقرأ أنه سيتزوج ،ومنهم من يصدق أنه علي مشارف رحلة سفر للخارج بمجرد أن يحل العام الجديد، وغيرها من العبارات التى لا تحمل أي مؤشر علي صحتها سوي أنها أمور تتعلق بالحظ فقط لا غير.
لا أنقص من قدر المتخصصين في هذا العلم، ولا أكذب كلامهم، إنما ما أرفضه أن نأخذ كلامهم علي محمل الجد، وأن تطلعاتهم ستحدث لا مفر. ثمة بشر مهووسون بمثل هذه البرامج ،ولايشترون الجرائد سوي لقراءة تلك الصفحة التى تختص بعلم الابراج، ليبدأ في ترتيب يومه وفق الكلام المكتوب ويتعامل معها علي درجة كبيرة من التصديق، هؤلاء يعتنقون مذهب " التفاؤل، التشاؤم " ،فإذا قرأ احدهم أن برجه هذا اليوم غير موفق، وصادف أن تعرض لمشكلة ما أثناء عمله،علق شماعته علي الفور علي سوء حظه ،وربط الأمر تلقائيا بما قراءه عن برجه قبل ذهابه إلي عمله.
فقد يصل الأمر إلي عدم إتمام زيجة بسبب عدم توافق البرجين ،أو عدم الخروج من البيت لأن محتوي الكلام عن البرج الذي ينتمي إليه غير مطمئن، فقد يتعرض لكثير من المشاجرات مع الآخرين حال خروجه ومن الأفضل البقاء في المنزل اليوم. هناك فئة مصيرهم مربوط بالأبراج الفلكية، ومهما حاولت إقناعهم أنه مجرد كلام مرسل ،قد يصادف التحقق احيانا، ولكن هذا ليس معناه أن نجعل حياتنا مرهونة بها، و لا أن نسخر أنفسنا لتنفيذ تعليمات الابراج،فلن يلتفت إليك أحد منهم ،ولن يصدقك ،لأن أمر برجهم الفلكي وما يحمله لهم خلال أيامهم القادمة بات لهم مساءلة حياة أو موت.
"علم الغيب " هو العلم الذي لابد أن نؤمن به عن ظهر قلب ،وأن نستودعه يومنا الذي وهبنا الله إياه دون الحاجة إلي معرفة الحظ أو غيرها من الأمور التي تشبه ذلك. أن نأخذ بالأسباب ونحسن الظن بالله أفضل بكثير من أن نطالع " حظك مع برجك. أن نستفذ كل ما في وسعنا من أمور لقيام بشىء نطمح في تحقيقه ثم نوكله إلي الله خير لنا من أن نولي اهتمامنا كله لمثل هذه البرامج معتقدين أن مايتفوهون به أصحابها قادر علي حل مشاكلنا أو تغير مسار حياتنا إلي الأنسب .