الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

باحث بـ السوربون لـ صدى البلد: التعاون الاقتصادي والعسكري أبرز أسباب زيارة ماكرون للقاهرة.. مصر ترسم أدوار القوى العظمى في المنطقة.. والسيسي يزور فرنسا بنهاية العام

الدكتور خالد سعد
الدكتور خالد سعد زغلول

خالد سعد زغلول لـ«صدى البلد»:
ماكرون في مصر من أجل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري
الفرنسيون يرون السيسي مزيجا متسقا من الزعماء جمال والسادات ومبارك


يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القاهرة خلال أيام، ووصل الأربعاء الماضي إلى مطار القاهرة وفد من الرئاسة الفرنسية للقاء عدد من المسئولين للإعداد للزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي.

الزيارة تأتي في أعقاب رحيل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، من القاهرة بعد زيارة استمرت يومين، الأمر الذي عده العديد من السياسيين ومتخصصي العلاقات الدولية أن مصر أصبحت قبلة الدول الكبرى، فجميعها يسارع ليوطد علاقته بها، وهو ما أكده الدكتور خالد سعد زغلول، المحلل السياسي، والباحث في الشئون الجيوسياسية والعلاقات الدولية في جامعة السوربون بباريس، في حواره مع «صدى البلد»، للتعرف على أبعاد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى مصر وأبرز الملفات التي يحملها ماكرون في حقيبته خلال الزيارة.

ما تقييمك للعلاقات المصرية الفرنسية في هذه الآونة؟


العلاقات الفرنسية المصرية راسخة في تاريخ البلدين منذ حكم محمد على باشا مصر وتأكدت مع مقدم نابليون بونابرت لمصر وهي الفترة الأكثر فاعلية في تاريخ البلدين والثقافتين، ومنذ ذلك الوقت يوجد ولع فرنسي بمصر ولاسيما بالحضارة والثقافة والفنون وانعكس ذلك على المستويات السياسية والفكرية بتوالي العصور والحكام في البلدين.

تعتبر فرنسا مصر من ركائز سياساتها الشرق أوسطية والأفريقية والعربية ولهذا باريس في تشاور مستمر مع القاهرة فيما يخص الشئون العربية والإفريقية وحتى الإسلامية بل وعلى وجه الخصوص الملفات الساخنة الإقليمية والدولية لكون الرؤية المصرية تهدف دائما إلى حكمة تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي؛ لتنسجم ومعطيات الحفاظ على السلام والأمن ورخاء شعوب المنطقة ولاسيما نجاح القيادة السياسية المصرية في حربها ضد الإرهاب والفكر المتطرف.

ولهذا فمصر في نظر فرنسا هي الدولة الركن التي لا يمكن الاستغناء عنها فبالإضافة إلى ثقلها الحضاري والتاريخي هي بمثابة المركز الجغرافي الاستراتيجي لدول العالم الثالث والقوة الإقليمية الأهم في المنطقة فمهما بلغت دول الخليج العربي من مؤثرات في الاقتصاد العالمي ولاسيما المملكة السعودية والإمارات وقطر والكويت، إلا أن فرنسا ودول العالم تحبذ أهمية مصر كدولة رائدة في المنطقة وفي القارتين الآسيوية والإفريقية على السواء.

ولهذا تسعى فرنسا بقوة لـدعم الاقتصاد المصري لاستقرار النظام فهي ترى بأن عدم استقرار مصر هو عدم استقرار وفوضى للعالم العربي والإسلامي والأفريقي برمته، كما ستشهد العلاقات الفرنسية المصرية مرحلة جديدة من التعاون ولا يسيما الاقتصادي، سيقدم الجانب الفرنسي مبادرات خاصة بالبنية التحتية وآليات لتعزيز الاقتصاد المصري.

ومن هذا المنطلق تحرص فرنسا على تعزيز العلاقات الثنائية وتوليها جل إهتمامها كما سيضفي تولي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رئاسة الاتحاد الإفريقي العام الجاري (2019) العلاقات الثنائية؛ والتى يمثل بعدا استراتيجيا أعمق؛ حيث تولي فرنسا أهمية قصوى للقارة الأفريقية التي كانت سبب عظمتها وقوة نفوذ إمبراطورتيها ولهذا نستطيع القول بأن العلاقات المصرية الفرنسية اليوم أكثر من ممتازة ونشهد أوج ارتفاعها، فهناك تعاون مطلق بين كافة المستويات والقطاعات والمجالات السياسية والعسكرية والأمنية والتجارية والاقتصادية والعلمية وكذلك الثقافية.

كيف تنظر القيادة الفرنسية إلى الرئيس السيسي؟

القيادة الفرنسية تعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسي أقوى رجل في مصر وكانت ترى ذلك حتى وهو وزير للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة، وتفضل فكره ونهجه الذي يحارب التطرف ويطالب بإصلاحات جوهرية في الفكر الإسلامي ونبذ العنف والتعصب أيًا كان؛ وفرنسا لا تفضل التعامل مع الإسلام السياسي ولهذا قطعت علاقاتها بإيران منذ أن نجح الإمام الخميني في تولي السلطة عبر الثورة الإسلامية، والمفارقة انه كان لسنوات لاجئا سياسيا في فرنسا لاسباب دفاعها عن حقوق الانسان والحريات وتمكنت من انقاذه من حكم الاعدام وشملته بالرعاية والحماية ولم تمنعه من مزاولة نشاطه السياسي ولا بارساله شرائط يدعو بها الشعب الإيراني بالانقلاب ضد حكم الشاه، لكنه ما إن عاد على رأس الثورة الايرانية وتأسيسيه للجمهورية الاسلامية قطعت فرنسا علاقاتها مع طهران بل وتحالفت عسكريا بقوة مع الرئيس صدام حسين لضرب وإضعاف النظام الإيرانية.

ومنذ فوز الاخوان ووصولهم الى السلطة في مصر لم يحدث لقاء على مستوى الرئاسة بين مرسي وهولاند الذي تحجج الأخير كثيرا وبكل الطرق لكي لا يلتقي برئيس إخواني كي لا يكسبه مصداقية دولية رغم أن حليفة فرنسا ماركل كانت تلتقي به كثيرا، والرئيس أوباما ايضا.

ولما تولى الرئيس السيسي رئاسة مصر رحبت فرنسا به كثيرا ورأت فيه الزعيم المنقذ وأعتقد بأن الفرنسيين يرون السيسي على كونه مزيجا متسقا من الزعماء جمال عبدالناصر في قوته وهيبته وبين محمد أنور السادات الحكيم والداعي للسلام والاستقرار ومحمد حسني مبارك في عفويته، وشبكة علاقته مع دول الغرب.

كما أن فرنسا تحبذ التعامل مع من هو ضد الإسلام السياسي الذي لا يحارب إسرائيل في الخفاء. ولهذا حينما حاولت بعض وسائل الصحافة الفرنسية الاصطياد واحراج الرئيس ماكرون بسؤاله عن حقوق الانسان في مصر على غرار الصحافة الأمريكية أسكتها ماكرون بأن مصر تحارب الإرهاب ولا يسمح لنفسه بأن يعطي دروسا لأحد، وهذه سابقة أولى في تاريخ رؤساء فرنسا في التعامل مع هذا الملف الذي حرص كل رؤساء فرنسا منذ ميتران وحتى هولاند على مناقشته مع رؤساء مصر.

ما أبرز الملفات التي يمكن أن تتناولها الزيارة؟

سيركز الرئيس ماكرون جلسة مباحثات القمة على الجانب الاقتصادي في المقام الأول وتعزيز الشراكة القائمة بين البلدين في المجالات المختلفة سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، فالرئيس الفرنسي ليس رجلا سياسيا ولم يأتِ إلى عرش الإليزيه من المنظومة السياسية الفرنسية ولكن من عالم الاقتصاد والمال تماما مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعلى هذا الأساس تم انتخابه لحكم الفرنسيين بعد إفلاس كل الأحزاب والمعسكرات السياسية التقليدية الكبرى وبالتالي سيتبع نفس نهجه بتقديم الملف الحيوي ولهذا حرص على اصطحاب وفد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى في فرنسا لبحث أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري فهناك ضمن الوفد الرئاسي والوزاري الفرنسي؛ وفد مجلس أرباب الأعمال الفرنسى «ميداف» المتخصص فى الصناعات الطبية والدوائية ، وكذلك ممثلو أكبر الشركات العاملة في عدة قطاعات صناعية.

وهناك الشركات الفرنسية التي درست في نوفمبر الماضي إمكانية المشاركة في تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل مع خلال تقديم الدعم الفنى والخدمات الصحية عبر الإنترنت، مثل خدمات إدخال البيانات والحجز الإلكتروني وغيرها من الخدمات التي تخدم مساعي مصر في تحقيق طفرة في الخدمات الصحية على غرار فرنسا وكما أن مصر دولة أصبحت تتمتع بمناخ استثمار جيد واستقرار سياسي يتيح زيادة الاستثمارات.

ومن المرتقب أن يستهل الرئيس ماكرون مباحثاته مع الرئيس السيسي ببحث المحور الاقتصادي وركائزه المتنوعة لتشجيع النمو والتنوع الاقتصادي والصادرات والاستثمارات في عدد من المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغرى، من بينها ازدواج الممر الملاحي بقناة السويس وقناة السويس الجديد التي تعتبر أحد محاور التنمية الاقتصادية لتحقيق الرفاهية للشعب المصر وكذلك تنمية المنطقة الاقتصادية وإنشاءات العاصمة الإدارية والمدن الجديدة.

كذلك ترغب فرنسا في الاستثمار في البنية التحتية المصرية وفي الطاقة النووية، لتستعيد مصر اكتفائها الذاتي في هذا المجال ولاسيما عند تشغيل حقل "ظهر"، لمواجهة تزايد الاستهلاك بالطاقة، والمساهمة في برنامج إنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء وتحلية وتنقية المياه وفق الخبرات الفرنسية العالمية.

كذلك من المقرر أن تشهد المباحثات دفع وتعزيز التعاون التجاري بين البلدين في مختلف المجالات والصادرات لتصل إلى آفاق أرحب لدعم اقتصاد البلدين ، فضلا عن بحث استيراد فرنسا للمنتجات الغذائية والغزل والنسيج المصرية لتغزو أسواق فرنسا الى جوار منتجات المغرب والجزائر وتونس . كما يحرص الرئيس الفرنسي على دعم وتنشيط السياحة في مصر بما تملك فرنسا من خبرات جعلتها رائدة السياحة في العالم لسنوات طويلة متفوقة على أمريكيا ودول أوروبا ولهذا من المتوقع ان يعيد ماركون السياحة الفرنسية الى مصر،

ذلك لأهمية هذا القطاع الذي يمثل أكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، فيبلغ عدد السائحين الوافدين إلى فرنسا العام الماضي 85 مليون سائح، وتستهدف فرنسا ارتفاع هذا العدد إلى 100 مليون بحلول عام 2022 حيث وصل عدد سياح فرنسا في مصر إلى مليون سائح في 2010 عام الذروة، وتبلغ الآن نحو 150 ألف سائح وتأمل باريس بتعاونها مع القاهرة في زيادة عدد السياح الأجانب الى مصر الى 20 مليون سائح.

كما ستعرض القطاعات الحكومية والخاصة الفرنسية تسخير إمكانيات الشركات التكنولوجية الفرنسية في مجال النقل والاتصالات ، مؤكدا أن هناك اهتماما كبيرا من الشركات الفرنسية بالاستثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

كما ستتضمن المباحثات أوجه التعاون العسكري بين البلدين في مجالات الدفاع والتصنيع العسكري المشترك وتبادل الخبرات والتدريب، وهذا الجانب يحرص عليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعزيز قوة مصر على الساحة لتلعب دورها الإقليمي الكبير وتكون عند مستوى التحديات الراهنة. وهنا أود الإشارة إلى كون لمصر مكانة خاصة لدى فرنسا في هذا المجال العسكري حيث كانت مصر الصفقة المفتاح التي تمكنت عبرها باريس من تصدير سرب مقاتلات الرافال وبارجات الميسترال، فخر صناعات فرنسا الحربية ولم تتمكن قبل مصر من تصديرها حتى بدأت شرائها بقية دول العالم.

وما الملفات الإقليمية التي يمكن طرحها خلال لقاء الزعيمين؟

من المنتظر أن يبحث ماكرون أبرز الملفات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك لاسيما جهود مصر في مكافحة الإرهاب والتطرف الذي تعاني منه فرنسا وعدد من دول أوروبا أما الملفات الإقليمية فيحرص ماكرون على مشوره رئيس مصر فيما يخص الملف السوري وتداعيات انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية الذي خلق توازنات جديدة لصالح إيران وروسيا ويأمل في ضرورة التوصل لحل شامل ودائم للأزمة السورية.

كما يرى ماكرون أن النزاع سيندلع بين طهران وموسكو؛ نظرا لاختلاف الأجندة بين القوتين، فروسيا تريد حكومة قوية ومستقرة في دمشق، أما إيران فتريد دولة ضعيفة من السهل التحكم فيها. بينما تتفق فرنسا مع مصر في ضرورة اعادة الأمن والاستقرار لسوريا.
كذلك هناك ملف القضية الفلسطينية وضرورة ولادة دولة فلسطين حيث يحاول ماكرون دخول التاريخ عبر خطة لعقد "صفقة قرن فرنسية " التي سيطلقها قريبا، كبديلة عن "صفقة القرن الأمريكية"، التي أعلن عنها ترامب ضمن خطته للسلام في الشرق الأوسط ،يأمل رئيس فرنسا بها توقيع اتفاقية سلام بين اليهود والفلسطينيين، لولادة دولة فلسطين، بعد موت عملية السلام الأزلية ،مما أثار قلق الدولة العبرية ،وطالب ماكرون بضرورة العمل المشترك لحل القضية الفلسطينية من منظور أوروبي نزيه على أرضية حل الدولتين تكون القدس عاصمة لهما ،ويأمل ماكرون في دعم مصر خلال مناقشته لأفكارها.

وستتم مناقشة ملف ليبيا ولاسيما منطقة الساحل والصحراء التي أنشأها الزعيم الراحل معمر القذافي، والتي أصبحت بعد رحيله مركزا للإرهاب في أفريقيا؛ يحاول ماكرون بحث ضرورة تمكين الليبيين من حل أزمة بلادهم واستعادة الأمن والاستقرار وسبل دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة من خلال مساندة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا في مهمته، واستكمال التوافق حول مختلف القضايا المعلقة عبر التوافق الوطني بين كافة الأطراف الليبية، بحيث يكون الحل النهائي للأزمة من صنع الليبيين أنفسهم، وبما يلبي طموحاتهم في استعادة الاستقرار والأمن.

وهل هناك علاقة بين زيارة ماكرون وزيارة وزير الخارجية الأمريكي لمصر؟

لا، فالزيارة كانت معدة مسبقا في البروتوكول الفرنسي قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي لكن أحداث سياسية داخلية وحركة السترات الصفراء أدت الى تأجيلها عدة مرات، لكنها زيارة هامة جدا لفرنسا ولمصر، كما أنه من المقرر أن يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي فرنسا هذا العام أيضا علما بأن الزعيمين، سبق والتقيا عدة مرات العام الماضي كان آخرها في سبتمبر الماضي في نيويورك بالأمم المتحدة، كما أن الاتصالات شبه يومية بين الرئيسين للمشورة ولتبادل الرؤى والأفكار حول ملفات وقضايا الشرق الأوسط ومستجداتها.

هل اتجاه الدول الكبرى لمصر له علاقة بالدور المصري في الملفات الإقليمية؟

لا تحتاج مصر الى ترتيبات من أي قوى دولية أو إقليمية فمصر دولة قوية ومستقلة بل على العكس أن مصر هي التي ترتب لهذه الدول العظمة أدوارها في المنطقة، وهي تعلم مدى قوة واستقلالية مصر ونتذكر حينما حاول الرئيس الأمريكي أوباما لي ذراع مصر حينما رفض أمدادنا بطائرات الاباتشي وبعض القطع الحربية لمواصلة حربنا ضد الإرهاب في سيناء توجه السيسي إلى كل من موسكو وباريس واستورد منهما أسلحة مهمة دفعت الإدارة الأمريكية الى التراجع وتغيير لغة الحوار مع مصر.

العالم اليوم ينظر الينا لقيادة المنطقة الى بر الأمان؛ إخواننا في دول الخليج مهددين من ايران وليبا وسوريا تمزيها الإرهاب، والفلسطينيون ينتظرون ولادة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرف وكل هذا لن يتم بدون مصر فالاستقرار والسلام والرخاء لن يتم في منطقتنا العربية بدون مصر والا ستبقى كل هذه الملفات مشتعلة وبدون حل.