الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليوم.. الذكرى الـ 48 لافتتاح السد العالي

صدى البلد

يوافق اليوم 15 يناير عيد ميلاد السد العالي الثامن والأربعين، ففي مثل هذا اليوم من عام 1971، افتتح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الروسي نيكاتا خروشوف السد العالي (سد أسوان العالي)، وهو سد مائي على نهر النيل في جنوب أسوان، ساعد السوفييت في بنائه، واستهدف ناصر من إنشائه أربعة أهداف هي إنتاج الكهرباء، تنظيم الري، تخزين المياه، ومنع فيضان النيل.

ووقتها اختارته الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين، عابرًا به 122 من المشروعات العملاقة في العالم تم تنفيذها في هذا التوقيت، مثل مطار "شك لاب كوك" في هونج كونج، و"نفق المانش" الذي يربط بين بريطانيا وفرنسا، وجاء في حيثيات الاختيار أن مشروع السد العالي تجاوز ما عداه في المشروعات الهندسية المعمارية العملاقة، لما حققه من فوائد عادت على الجنس البشري، مشيرًا إلى أنه وفر لمصر رصيدها الاستراتيجي في المياه بعد أن كانت مياه النيل من أشهر الفيضانات تذهب سدى في البحر.

ويُعد السد العالي من أهم المشروعات الهندسية التي نفذتها ثورة 23 يوليو، كما أنه من أبرز المزارات السياحية بمحافظة أسوان، ويبلغ طول السد 3600 متر، وعرض القاعدة 980 مترًا، فيما يصل عرض القمة 40 مترًا، وارتفاعه 111 مترًا، ويتكون من 3 أجزاء هي جسم السد وبحيرة التخزين ومحطة الكهرباء، وقد تم تصميم الجسم بعد دراسات وأبحاث عالمية عديدة بحيث يكون من النوع الركامي المزود بنواة صماء من الطفلة وستارة رأسية قاطعة للمياه، فيما تكون المياه المحجوزة أمام السد العالي بحيرة صناعية كبيرة (بحيرة التخزين) طولها 500 كيلومتر، ومتوسط عرضها 10 كيلومترات، وسعة تخزينها الكلية تصل إلى 162 مليار متر مكعب.

وتوجد محطة الكهرباء عند مخارج الأنفاق حيث يتفرع كل نفق إلى فرعين مركب على كل منهما توربينة لتوليد الكهرباء، بعدد 12 توربينة قدرة كل منها 175 ميجاوات وبطاقة إجمالية للمحطة قدرها 2100 ميجاوات، فيما تبلغ الطاقة الكهربية المنتجة 10 مليارات كيلووات /ساعة سنويًا.

وبدأ بناء السد في عام 1960 وقد قدرت التكلفة الإجمالية بمليار دولار شطب ثلثها من قبل الاتحاد السوفييتي حيث عمل في بناء السد 400 خبير سوفييتي، وانتهى العمل في بنائه عام 1968، وثبت آخر 12 مولدًا كهربائيًا في عام 1970، وتم افتتاحه رسميًا في عام 1971.

ومن الآثار الإيجابية للسد العالي أنه عمل على حماية مصر من الفيضان والجفاف، حيث إن بحيرة ناصر تقلل من اندفاع مياه الفيضان وتقوم بتخزينها للاستفادة منها في سنوات الجفاف، بالإضافة إلى تأثيره في زيادة الثروة السمكية والتوسع في المساحة الزراعية نتيجة توفر المياه والتوسع في استصلاح الأراضي وزيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان، وعمل أيضًا على زراعة محاصيل أكثر على الأرض نتيجة توفر المياه ما أتاح ثلاث زراعات في العام الواحد، والتوسع في زراعة المحاصيل التي تحتاج كميات كبيره من المياه لريها مثل الأرز وقصب السكر، وأدى إلى تحويل المساحات التي كانت تزرع بنظام ري الحياض إلى نظام الري الدائم، وعمل على توليد الكهرباء التي أفادت مصر اقتصاديًا.

وترجع فكرة مشروع "بناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه" ، للمهندس اليوناني "أدريان دانينيوس"، الذي تقدم بمشروعه عدة مرات لحكومات ما قبل ثورة يوليو، غير أنه لم يلق أي استجابة، وفي عام 1953، قرر عرض مشروعه مرة أخيرة على النظام الجديد، فحظي باهتمام كبير من قبل القيادة، وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة، بتولي مسئولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة، وفي عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم، وأقرته في نفس العام، وتم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيًا واقتصاديًا وعرض تقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد المقدرة مبدئيًا بأكثر من 400 مليون جنيه.

سحب البنك عرضه بعد ضغوط من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع الرئيس جمال عبدالناصر لتأميم قناة السويس في عام 1956، للاستفادة من إيراداتها في تمويل المشروع، وشنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانًا ثلاثيًا على مصر بهدف إخضاعها لإرادتهم.

بانتصار مصر، اتجهت شرقا نحو القطب الثاني في العالم وقتها "الاتحاد السوفيتي"، ووقعت معه اتفاقية في عام 1958، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، بدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى من السد في 9 يناير 1960 بإرساء حجر أساس بناء السد، وتوالت مراحل المشروع حتى انطلقت في عام 1967، الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي، وفي عام 1968، بدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي، اكتمل هذا الصرح العملاق منتصف عام 1970، وأقيمت احتفالية كبيرة بمناسبة ميلاد السد العالي.

واتخذت محافظة أسوان هذا التاريخ عيدًا قوميًا لها وسيشهد العام الحالي افتتاح المتحف المفتوح، الذي تم إنشاؤه لأول مرة أمام "رمز الصداقة المصرية السوفيتية" بمنطقة السد العالي، ويضم بين مقتنياته سيارة ماركة شيفرولية موديل 1958، كان يستقلها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، خلال زياراته المتعددة لمتابعة المراحل التحضيرية لإنشاء السد، بالإضافة إلى مجموعة من المعدات الثقيلة التي استخدمت في عملية البناء.

ويرتبط السد العالي بثورة 1952، وما أحدثته من تغيير على جميع الأصعدة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، حيث يعتبر واحدًا من أهم إنجازات الثورة، إن لم يكن أهم منجز لها على الإطلاق.