الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: عريسك عندي‎

صدى البلد

"الخاطبة" :سيدة كل العصور، امرأة تناقلت معنا عبر الأزمنة، وكلما مر عليها حقبة زمنية جديدة ،تلونت فيها بلون يتناسب مع تلك الحقبة، وارتدت لها الثوب المناسب الذي يواكب تطورها، لتساير حداثة زمنها ، حتى لايشعر أحد ممن حولها بغرابة أمرها، إنما يظل الآخرون يآلفونها مهما بلغ بهم التطوير التكنولوجي الحديث ذورته. ويبقي لها دورها الذي لم يستطع الزمن أن يداهمه، و تتواصل مهنتها التى لم يقدر التقدم علي تبديدها والقضاء عليها، إنما استطاعت أن تسخر ذلك الكم الهائل من التكنولوجيا في تطوير وظيفتها،و العمل على تحسينها بشكل دائم،لتقديم خدمة تليق بالعصر الذي تنتمي اليه.

ظاهرة اجتماعية استطاعت أن تفرض نفسها على فئة بعينها، موروث اجتماعي ظل راسخا في معتقدات بعض الناس، وبقي معهم على مدار أجيالهم المختلفة، فهم لا يلتفتون إلي تغير الزمن وإلي التطورات التى لحقت به، بقدر ما ينشغلون بتوريث أبنائهم تلك الأفكار العقيمة، فهي أشبه بالجين الذي يتنقل بين سلالتهم ،ولا يجوز لعائلة أن تخالف تلك العادات البغيضة،.فالخاطبة تعد بالنسبة لهم ركن أصيل لإتمام عقد الزواج، وما دون ذلك يعتبر باطلا. ثمة فئات تعتمد عليها اعتماد كلي في اختيار العريس المناسب حال بلوغ ابنتهم سن الزواج ،والعكس صحيح. ولا مجال لوسائل أخري مثل التعرف علي أحدهم في مجال العمل ،أو أن يتقدم العريس من تلقاء نفسه بناء علي سمعة العائلة، أو أن هناك مثلًا صلة قرابة تجمع بين العائلتين،أو غير ذلك.... فكل هذه الطرق غير مقبولة لتلك العائلات ،وغير مسموح بمخالفة عرفهم الاجتماعي الذي تربوا عليه من قديم الأزل. فالخطبة تعد شريعة نشاؤوا عليها، وترعرعوا علي أنها موجودة فيما بينهم، اعتادت أعينهم علي رؤيتها في المناسبات الاجتماعية التى تخص الزواج ولا يجوز لأحد أن يحيد عن تلك الشريعة.

في قديم الزمان ،كان وجود تلك السيدة مقبولا،ولن يتقزز منه أحد، لأن العالم آنذاك كان يتسم بالبساطة والعفوية .كان سكان الحي الواحد يعرفون بعضهم البعض عن ظهر قلب، وكانت الخاطبة إحدي سكان هذا الحي ،بحيث يتوافد إليها العائلات التى يسكنون من حولها لتقوم بمهمتها المعهودة :أخذ بيانات العريس أو العروسة لتسجلها في دفترها إلي أن يأتى أحدا يحمل مواصفات مشابهة لتلك البيانات أو قريبة منها ،مع الأخذ بالاعتبار أن الطرف الآخر يكون أيضا من سكان ذات الحي، ولكن بحكم العادات والتقاليد التى صنعها أجدادنا وتمسك بها آباءنا، فكان من الصعب أن يحدث التعارف مباشرة، فكان لابد من ذلك الوسيط ،فبحكم أنها امرأة يمكنها أن تتواصل بشكل أفضل مع أم العريس، وكذلك أم العروسة، ومن ثمّ فهي الشخص المنوط به لتقريب المسافات بينهما ، وما إن حدث توافق بين الشابين ،حتي تدخل الرجال لإتمام الزيجة، وما إن حدث غير ذلك فإن الأمر ينتهي بين السيدات الثلاثة لتوه في بيت الخاطبة،دون أن يعلم به أحد إلي أن تسنح فرصة أخري. مع الأخذ في الاعتبار أن كل من الطرفين يقوم بدوره بالسؤال على الآخر علي أكمل وجه، فلا أحد منهما يأخذ كلامها علي محمل الثقة العامية ،فكلاهما يتحري في بيانات الآخر حتى يصل إلي النتيجه التى تطمئنه والتى علي شأنها يكون قراره النهائي سواء كان بالقبول أو بالرفض.

أما الآن فقد بات الأمر مختلفا، بحكم الزيادة السكانية وعصر السرعة نشهده ،فقد تشعبت المدن وانتشرت الكثير من القري، وباتت أفراد العائلة الواحدة يسكنون في أماكن متفرقة، وظلت أيضا الخاطبة تسكن كل تلك الأماكن، و تتواجد في كل محافظة ،نجع، كفر حتى اتسع نشاطها خارج حدود دولتها ليتخطي إلى دول عربية أخري، الأمر الذي دفعها لاستخدام الانترنت، لاستيعاب هذا التشعب ولسيطرة علي أكبر عدد من المناطق المكتظة بالسكان ،مما ترتب عليه كوارث اجتماعية وسقوط ضحايا ، بسبب التسيب والاستهانة بمصائر الناس،وعدم التأكد من صحة البيانات أو عدمها، فكل مايهمها أن تعد جلسة لحدوث مقابلة بين الطرفين ، ليعقبها إتمام الزواج، ومن ثم تحصل على المبلغ المتفق عليه دون أن تعبأ بعواقب تلك الزيجة، فهي تختفي سريعا بمجرد أن يقع الزواج ،وتترك الآخرين يتحملون ما يخلف عن تلك الجريمة الاجتماعية.كما أن الإنترنت فتح الباب على مصراعيه لتدشين مواقع إلكترونية لمكاتب الزواج وتدوين عناوينها بحيث يسهل علي البعض التوجه إليها ، لزج به بعد ذلك في مصائب تحمل في ظاهرها الزواج وتبطن في داخلها بفواجع لا أحد يعلم النهاية التى ستؤول إليها ،وكيف سيكون المخرج بعد ذلك؟ !.الأمر تعدي من مجرد توفيق رأسين في الحلال، إلي أمور مخلة تحدث تحت مظلة الزواج. لم تشهد عصور الخاطبة السابقة علي زواج مسيار ،وزواج المتعة وغيره من الأمور المشبوهة التى أصبحنا نشهدها بصورة فجة وواضحة للعيان دون الشعور بأدنى إحساس بالخجل .

فقد باتت أغراض المكاتب مكشوفة ،ومكتوبة بطريقة يفهمها الصغار قبل الكبار ،وكلما حاولت الاعتراض علي كل هذه الأساليب الملتوية، جاءك البعض متحججا ليقول لك ان "الخاطبة " هي النظام التقليدي الاجتماعي المتعارف عليه بيننا ،ولكن علينا أيضا أن نقر بما طرأ علي هذا الموروث من أمور مخزية لا يقبلها دين، ولا يرتضي لها أية أعراف أو عادات.

المشكلة لاتكمن في تلك الموروث اللعين ولكن فيما تراكم عليه من شؤون مخالفة لقواعد ديننا. ..كيف يمكن لتلك المكاتب أن تتلاعب بالميثاق الغليظ لتستغله في تحقيق أهداف شخصية أو مصالح مادية؟ !. .يتوجب علينا إغلاق تلك المكاتب و تعرضهم للمساءلة القانونية لما أحدثوه من نكبات اجتماعية دفع ثمنها الفتيات من أجل التهرب من شبح اجتماعي ألعن :العنوسة.يتعين علي شرطة الانترنت اقتلاع تلك المواقع من جذورها حتى لا تقع الأهالي فريسة لهم.كما يجب علينا توعيتهم بعدم الانسياق وراء تلك المواقع ، وألا ينكبوا بصورهم الشخصية و معلوماتهم الذاتية حتى لا يكونوا وسيلة للابتزاز فيما بعد،ولإجبارهم بعد ذلك علي تنفيذ أوامرهم وإتباع تعليماتهم التى تقودنا إلي الوقوع في مصائدهم لامحال. إصدار قانون يسمح برصد تلك المواقع ووقوع أصحابها تحت طائلة القانون، و إخطار مستخدمي الإنترنت بعدم التعامل مع هذه المواقع ،وسرعة الإبلاغ عنها حال التعرض لها.
الزواج لايحتاج إلي وسيط سواء كانت خاطبة أو مكتب .

وليست مقابلة يحاول كل طرف التمثيل على الآخر لإظهار انه جدير به، إنما شراكة لابد أن تقوم علي الصراحة والوضوح لا علي الزيف والخداع. علي التقارب الفكري والتطابق الاجتماعي لا علي الفجوات ولا التباينات .علي المصارحة والمكاشفة ،لا علي الغموض والألغاز .علي التعقل والتروي لا علي الاستهتار والاستعجال. علي التزامات وتعهدات يتعهد بها كل طرف إلي الآخر ،لا علي كلمات نقرأها عبر شاشة الجهاز إلكترونى ولا علي افتراضات يفترضها لنا أصحاب المكاتب والأشخاص الغرباء.