الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد زلط يكتب : الآخرون

صدى البلد

لا زلتُ أذكر حتى الآن ما مر بي عام 2006، ففى ذلك التاريخ من عمري كنت أعمل محررًا صحفيًا في أحد المواقع الإخبارية الشهيرة بضاحية المهندسين والتي تعتمد في أسلوبها على النقل والمتابعة لكافة الأحداث الرياضية وتحديدًا كرة القدم سواءً كانت محلية أو عالمية، وبما أن كأس العالم هو الحدث الجلل على وجه الكرة الأرضية بدأنا في التحضير لمونديال ألمانيا بكل ما أُوتينا من قوة، فأنا أتابع تاريخ المنتخبات المشاركة، وزميلي يلقى الضوء على الفائزين بها، ورئيس قسمي المكافح يتابع عمل الصفحة الجديدة على الموقع، والتي ستُبث عليها الأخبار أولًا بأول.

انتهينا من كافة الأمور المتعلقة بالصفحة الجديدة، وجاء شهر يونيو، ساخنًا في أحداثه، وساخنًا أيضًا في درجات حرارته، فتم اختياري مع مجموعة من الزملاء لمتابعة باقي المباريات في التوقيت المسائي، فرحبت بـ الأمر على الفور فأنا أستيقظ متأخرًا لأنني أعشق السهر، وفي نفس الوقت تأتي معظم المباريات القوية بعد الرابعة عصرًا، وأخيرًا العادة الغريبة التي ورثتها عن كلية التربية الرياضية، وهى المشي ساعتين يوميًا دون انقطاع ومتابعة كل ما يتعلق بالموضة.

بدأت المسابقة وبدأ قلبي يخفق معها فقد دخلت رهانًا مثيرًا أقامه أحد المحلات الفرنسية الشهيرة بممر بهلر (D.H)، فبعد استلام فاتورة الشراء لطقم فاخر تجاوز سعره وقتها الـ 500 جنيه، وهو مبلغ ليس بقليل خلال تلك الحقبة الزمنية، قمت بالتوقيع على استبيان لترشيح الفريق البطل، وإن صدقت توقعاتي سوف أحصل على ملابس بنفس القيمة فضلًا عن بعض المفاجآت الأخرى، فلم أتردد مطلقًا في وضع اسم المنتخب الألماني أو "الماكينات" كما يُلقب لاقتناص اللقب.

خرجت بعدها متوجهًا إلى عملى مباشرة ورويت ما فعلته مع مسئول القسم (ع.ش) فسألني "لماذا!؟" وهو يقصد بالطبع ألمانيا، فرددت بعبارة "لأنه فريقى المفضل منذ الصغر ويذكرني دائمًا بمنتخب مصر، وأعتبره دائمًا البديل الشرعى في غياب بلدي"، فاندهش من أسلوبي وقال لى "سوف تخسر!" ثم سكت، والغريب أنه لم يحدد أى خسارة ولم يرتبط كلامه حتى بـ "ألمانيا"، وكل يوم يمر أقول له ألمانيا سوف تربح يرد هو سوف تخسر، ألمانيا تربح يرد ألمانيا تخسر، "تربح" يرد "تخسر"، "تربح" "تخسر"، ويبدو أننا تبادلنا الحوار على طريقة "مربع أرسطو" الشهير حتى وصلنا في النهاية إلى تلك العبارة الساخرة "مصر سوف تربح" وهو يرد "مصر سوف تخسر".

احتدمت المسابقة وخاضت ألمانيا غمار البطولة لكن المفاجأة كانت مدوية، سقطت البلد المضيف في الدور نصف النهائي أمام ملوك الدفاع إيطاليا، وخرجت من المسابقة وخسرت بالتالى الرهان، لكن الغريب هو ما حدث لي بعدها، فقد مُنيت بسلسلة من الخسائر الفادحة والمؤلمة بدأت تلاحقني مع بداية 2007، فقد اختفت تمامًا الملابس الفرنسية بعد فترة من شرائها وكأن سحرًا أو مسًا وقع بها، تبعها حادث انفصال بشع بيني وبين زوجتى ابتعد على أثرها ابني (م.خ)، اعتزلت العمل الصحفي لرفضي نشر فيديو مُهين عن الجيش المصري روجته (ق.ج) وكان يفترض أن أقوم بنقله على موقع العمل (د.م)، خسرت شقتي النقابية في قضية نصب شهيرة بطلها شخص مغمور (م.س) ومجموعة من الكومبارس مجهولي الهوية، وأخيرًا أحداث 25 يناير الملعونة والتي حصارت مصر بـ الفوضى والأزمات فحصدت أرواح خير شبابها وخير أجنادها.

من هنا أدركت كلمة (ع.ش) "مصر سوف تخسر" ..... كما أدركت أيضًا حقيقة ما فعلته دون قصد، فالعرض الفرنسي جاء من إدارة ذكية أجبرتني على ممارسة شيء شبيه بـ القُمار دون أن أشعر، حبي للمنتخب الألماني جعلني أرفعه عاليًا وأعتبره بديلًا شرعيًا عن وطني، انفصالى عن زوجتى كان سببه الأول هو الطمع وعدم الرضا بقضاء الله، ولو رضيت هى لتغيرت أنا وتغيرت الدنيا كلها من حولنا، اعتزالي العمل الصحفي وقف وراءه زملاء معتوهون معدومو الضمير يمارسون الخيانة تحت شعار رصد الحقائق، أما شقتي النقابية فقد اختلف شركاء المشروع الرياضي فطمعوا في أموال العملاء وتحولت القضية إلى المحكمة، وعرفت هناك أن كذبا مُقنعا أفضل مائة مرة من حقيقة بدون أدلة ولا عزاء للطيبين، وبالنسبة لـ "يناير الأسود" فقد كان درسًا قاسيًا لنا جميعًا وعرفنا من خلاله أن الأمن والأمان ليست كلمة تُكتب لتقال على ألسنة الزعماء أو السياسيين بل نعمة لا يعرف معناها إلا من تذوق مرارة الغربة والحرمان من الوطن.

قلمي يأبى أن يتوقف عن الكتابة لكن عقلي تائه مازال يسأل حتى الآن، كيف اختفت ملابسي!؟، ومن سرق شقتي!؟، ولماذا ذهبت زوجتي!؟، ومن باع وطني!؟.... "كنا بخير لولا الآخرون"، جملة يُقال أنها كُتبت على جدار مصحة نفسية مهجورة في الفترة ما بين عامي 1977 – 2002، ولا أحد يعرف حتى يومنا هذا من الذي كتبها، وما هى تلك المصحة، والبلد التي تواجدت بها، لكن الأهم من كل هذا ..... "أين ذهب المرضى، ومن هم الآخرون !!؟"، لو كنت أحد نزلاء تلك المصحة المميتة التي أبى التاريخ أن يذكرها من شدة تعذيبها للمرضى، لاستيقظت سرًا في منتصف الليل ولكتبت أسفل تلك الجملة .... "يتوغلون بينكم دون أن تشعروا، يتصنتون عليكم ولا تدرون، ينظرون إليكم ولا تنتبهون!!"، احذروهم .... الآخروووووون.