الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: أسد ولا كوبرا‎

صدى البلد

سؤال طرحته إحدى المذيعات من خلال برنامجها التليفزيوني علي ضيوفها تباعا، لم أكن أفهم مغزى السؤال ولا الهدف من ورائه فتجاهلته في أول الأمر، ولكن مع تكرار السؤال بدأ الفضول ينهش عقلي، وشرعت الرغبة في معرفة إجابة السؤال تستحوذ على فكري، فبحثت عن ما يرمي إليه سؤالها، وصدمت عندما أدركت بيت القصيد من السؤال، فالأسد يرمز إلي "محمد رمضان" والكوبرا ترمز إلي بشرى، وكلاهما يعمل في مجال الفن، وزادت الصدمة عندما علمت أنها كلمات استعان بها كل منهما لرد علي الآخر، فبينما كان يقول هو "أنا الأسد" ردت عليه هي "أسدك لدعته كوبرا، ومن هنا فهمت أن كليهما استخدم الأغنية لتصفية حساباته من الآخر، ولا مانع من إضافة بعض الكلمات التى تنم علي الاستهزاء والسخرية التى يكيلان بها إلي بعضهما البعض، إلي جانب أنها وسيلة لتحقيق أكبر نسب استماع علي الإنترنت، وكذلك تحقيق أعلى نسب مشاهدة علي شاشات التليفزيون واليوتيوب، ولا ننسى أن المشاهد دائمًا يلهث وراء هذه النوعية دون غيرها، وذلك لما لها من إثارة وتشويق يستثيراه أكثر من الأنماط الغنائية الأخرى.

باتت الغنوة المصرية أداة حرب يشهرها الفنانون في وجه أعدائهم لرد عليهم، ودرب يسكله كل من أراد أن يوصل رسالة للآخر، تحول الغناء إلي حلبة صراع، يتناحر فيها الفنان، وتتشاجر بها الممثلة، كلاهما يحاول إبراز فنونه القتالية، ولكن ليس بالسلاح بل بسياط اللسان، فالكلمة تأثيرها علي الإنسان أقوي من ألف رصاصة، وما الحاجة إلي سيف في حين أن هناك كليبا غنائيا قادر على أن ينهي المعركة من أول جولة، وأن يطرح الخصم أرضا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.

في الوقت الذي نلوذ فيه بالممثل السينمائي لمحاربة أغانى المهرجانات والتصدي لها من خلال عرضها كقضية مجتمعية في أفلامه السينمائية ومن ثم يمكن الاستفادة من المادة الدرامية التى تستغرق ساعتين وأكثر للحد من هذه الظاهرة، ركض هو يغنيها ويستغلها لتحقيق شهرة أكثر ومكاسب أوفر، فقط كل ما يتطلبه الأمر إنتاج فيديو غنائي يستعرض فيه نجوميته وشهرته، فيرد عليه خصمه بفيديو آخر يعايره فيه ببداياته وكيفية هيئته في أوائل ظهوره كنوع من أنواع التنمر، هكذا دواليك.

في العصور السابقة كانت الأغنية المصرية تحمل هويتنا، يسافر الفنان بها إلي جميع أنحاء البلاد ليغنى باسم "مصر" ليجعل علمها يرفرف علي المسارح العالمية، كانت وسيلة نعبر بها عن انتصارتنا من خلال ما يسمى "بالأغاني الوطنية"، كانت مسارنا الذي نعبر فيه عن فخرنا بالعامل والصانع والفلاح، كانت الغاية التى نصبو من خلالها لإحياء ذكرى، فكلما أراد الجنود أن يتحمسوا أثناء حروبهم، كان يتجمعون علي الحدود ليتبادلوا الغناء فيما بينهم، ويتباروا مع بعضهم البعض في اختيار الأغانى فتتعالي أصواتهم ويهللون عندما يدندون كلمات تنم علي الكرامة والعزة، وكأنهم أرادوا أن تسري كلماتها في أوردتهم فتمدهم بالشجاعة والثأر.

أما في عصرنا الحاضر باتت حال الأغنية المصرية يرثى له، يعز علي الجمهور الذي عاصر عبد الحليم، وكان يتوافد من جميع قرى مصر مرتديا أفضل ما عنده ليحضر حفلة لأم كلثوم أن يري كل هذا العبث الذي التحق بالأغنية المصرية، وأن يتابع كل هذا الهراء الذي يحدثه فنانو الجيل الحالي من محاولات متعمدة لتدمير تراثنا الغنائي، في الوقت الذي فتح عينيه علي أفلام "يوسف بك وهبي، وكيف يتم تناول قضايا المجتمع ومعالجتها في فلك أفلامه السينمائية آنذاك.

النقابة تلعب دورا  كبيرا  في الحفاظ علي رونق الأغنية المصرية، فهي الجهة المنوط بها لإصدار قانون يمنع الممثل السينمائي من الغناء لأنه ليس أهل لذلك، ودخيل علي المهنة ومن الأفضل أن يلتزم كل واحد بتخصصه .وأن يترك الغناء لمن هم أهل له. أن نحدد معايير لاختيار كلمات الأغنية وطريقة عرض اللحن، والرسالة التى يهدف الفنان إلي إيصالها من خلال الغنوة، أن يجرم الغناء الذي يشمل علي كلمات بذيئة وإيحاءات مبتذلة من أجل تحقيق الشهرة والمكسب السريع، أن توضع اختبارات علي أسس موضوعية لتبين قدرات الفرد في الغناء من عدمه، وألا يتم اختياره إلا بعد اجتيازها كاملة، أن يأخذ عهدا أمام نقابته بأن يكون غنائه هادفا، وأن يعمل جاهدًا علي رفع قدر الأغنية من خلال رقي كلماته وتهذيب ألفاظه.

لم نشهد حرب أكتوبر، ولكن أدركناها من خلال أغانى النصر التى تتغني عندما يحين موعد الاحتفال بذكراها، ولم نعاصر أيام بناء السد العالي، لكن أصبحنا علي دراية به عندما سمعنا "قلنا هنبني وادينا بنينا السد العالي"، فالغنوة قديما كانت ترمز لحقبة زمنية بعينها، وكانت الأغنية سبيل آخر بجانب كتب التاريخ نستخدمها لتوثيق تلك الأحداث والمناسبات، أما الآن فلست ادري ما أوجه الاستفادة من أغانى "نمبر وان، مافيا، وهل ستعد تلك الأغانى هي المؤشر الذي سيرمز عن حقبتنا الزمنية هذه بالنسبة للأجيال القادمة؟ !