الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. وليد جاب الله يكتب: قبل بحث مشروعية الربا

صدى البلد

الربا هو سلوك أثم حرمته كافة الشرائع السماوية، بل وحرمه كبار حكماء وفلاسفة التاريخ مثل أفلاطون وأرسطو، ونظر إليه العرب في الجاهلية نظرة ازدراء حتى أن قريش اشترطت عند جمعها الأموال لإعادة بناء سور الكعبة، ألا تُساهم فيه البيوت التي تتعامل بالربا، ولما جاء الإسلام حرمه نهائيًا، وقد اعتبر المُفسرين أن كل قرض جر نفعًا هو ربا، وبالتالي فإن كل زيادة حرام. وقبل أن يُسند تفسر الربا لرجال الدين يجب بحث وتحديد مفهوم المنفعة الاقتصادية التي يترتب عليها وجود واقعة الربا.

فقد نزلت نصوص تحريم الربا في ظل نظام اقتصادي يقوم على المُقايضة، والتبادل بالعملات المعدنية التي كانت قيمتها محفوظة بوزنها من المعادن المصنوعة منها مثل الذهب والفضة والبرونز وغيرهما، وبالتالي فإن حساب المنفعة يبدوا واضحًا باعتبار أن قيمة العملة مُرتبطة بوزنها وعددها، إلا أنه مع تطور الاقتصاد انفصلت العملة عن قيمتها وظهرت النقود الورقية التي تنخفض قيمتها تدريجيًابفعل ظاهرة التضخم، والتضخم ظاهرة حديثة تضرب الاقتصاد العالمي وتتفاوت مُعدلاته الشهرية والسنوية لأسباب مُختلفة.

وهنا يحدث انخفاض في قيمة القرض الحقيقية إذا أُعيد لصاحبه بنفس العدد من العملات الورقية التي استلمها المُقترض عند الإقراض، ليتحول القرض إلى كونه جرضرر حقيقيًا، مُتمثل في أن مبلغ القرض لا يُمكنه شراء نفس الكمية من السلع التي كان من الممكن له شرائها به قبل إقراضه، ولنا أن نتخيل أن يوضع ميراث أطفال قُصر من النقود الورقية في أحد البنوك لسنوات دون أن تُضاف إليه نسبة فائدة، في حين تتوالى موجات التضخم فتتآكل فيها قيمة ميراثهم بمرور السنوات.والمؤكد أنه إذا كان النهي الشرعي مُتمثل في أن القرض لا يدر نفع، فبمفهوم المُخالفة يجب ألا يُدر القرض ضررًا للمُقرِض، بالتالي يجب النظر عند تقدير المنفعة التي يُبنى عليها الربا إلى المنفعة الحقيقية وليس لمنفعة صورية بزيادة عددية محدودة في الرقم الورقي للقرض لا تتناسب مع مستوى التضخم.

بالتالي فإنه من المُسلمات أن القيمة المُستقبلية العادلة عند إقراض النقود الورقية بشكلها الحالي لابد أن تكون بردها مُضاف إليها نسبة زيادة تُعادل النسبة العامة للتضخم المُعلنة من الدولة، أو أن يتم الاتفاق برد عدد يُعادل ما كانت تشتريه يوم الإقراض من الذهب أو الفضة أو غيرها من المعادن والسلع، وما زاد عن تلك القيمة يُمثل المنفعة التي توضع على مائدة المُفسرين الدينيين لبحث كونها ربا من عدمه.