الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أن تكون جدتك آمنة


لم تكن مجرد جدة عادية بل كانت دولة فى شكل امرأة. كان هذا التعريف دائمًا على لسان أبى رحمه الله عن أمه فهو كان يراها فى التفكير والقرارات والقوة تمثل كيان دولة. وكان يقول عنها أنها كانت جميلة لدرجة أنه لم يشعر يوما أنها كبرت فى السن فكلما يزداد عمرها يزداد جمالها وكان أبوه يغار عليها ولا تخطو خطوة إلا معه أو مع أقرب الأقربين إليه كأمه وأخواته البنات، حكى أبوه يوما أنه كاد أن يقتل أحد الجيران الذى أظهر إعجابه بآمنة وهى فى طريقها إلى البيت وتحمل على رأسها إناءً به مياه ومن سوء حظ من تحرش بآمنة أن زوجها محمد كان عائدا من الحقل ورآه فما كان منه إلا أن جرى وراءه بالفأس ولولا ستر الله وتجمهر الجيران لقتله، ومنذ هذا اليوم ومنعت آمنة من الخروج من المنزل وجلب لها زوجها الخادمات.

وكانت آمنة سعيدة للغاية بغيرة وحب زوجها لها وتتفاخر بذلك فى كل مكان ومع كل الناس. آمنة كانت صاحبة مبدأ غريب فى الحياة وهو، كُل دين واشرب دين ولما يجيلك الديان افخدلوا عين فى عين.. وكانت تضحك وهى تردد هذا المثل الذى جعلته أسلوب حياة، فهى تحب الطعام وتتفنن فى صنعه وفى تفريقه على كل المحتاجين والفقراء ، سعادتها تبلغ عنان السماء عندما تصنع الخبز والفطير بكميات كبيرة ولا تبقى منها شيء فهى تبعث به إلى الأرامل والعواجيز والمطلقات وكل من ليس له عائل . وليس الخبز فقط والفطائر ولكن كل شىء كانت تسعد آمنة بتفريقه اللحوم والطيور والملابس كل شىء كان غير مملوك لها ولا لاى احد من آل بيتها ، وكانت ملامحها تزداد تألقا عندما تبعث بهذه الاشياء للمحتاجين والفقراء والعجزة.

طريقتها هذه فى الحياة لم تجد من يوقفها عن الاستمرار فيها رغم تذمر الأبناء منها لأن أباهم كان حريصا على تنفيذ مطالبها مهما كلفه ذلك من نفاذ لنقوده حتى انه كان يبيع ارضه لكى يرضيها ويسعدها ، وهو فى مرضه الاخير نظر اليها حزينا وقال لها هتتبهدلى من بعدى ياآمنه وياريتنى اقدر اخدك معايا ، ومات زوجها وعاشت بعده آمنة حزينة مكسورة الجناح رغم كثرة ابناءها الا انها لم تجرؤ على طلب اى شىءمنهم كما كانت تطلب من الراحل . حزن امنة وكسرة نفسها اودى بها الى مرض تركها مشلولة وتناوب الابناء خدمتها ولم يطل الله فى مرضها فلحقت بزوجها ، وهى فى النزع الاخير رددت اية قرآنية تقول وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها .. 
ومن بعد موتها تشتت الكل وفرغ المنزل الكبير من كل مافيه واصبح من الاطلال ، وكان الجيران يرددون كلما مروا بجوار البيت ياخسارتك فى الموت ياخالة آمنة.. هذه القصة كان يحكيها ابى عشرات المرات وهو يبكى كما لو كان طفلا غابت عنه امه او تاه منها ، وكان يختتمها بقوله لقد افسد ابى امى بتدليله لها وحرمنا منها سريعا لانها لم تقو على ان تطلب منا ان نكون معها مثله فقد كانت أبية النفس . والان كلما ذهبت الى بيت ابى اشم روائحه فى كل مكان واتذكر تشبيهه لامه بالدولة فأجده كان محقا فقد كانت كيان يتسع للكل ويجمعه ويحميه وبذهابها تشتت الجمع وتفرق ولكن المؤلم ان غياب ابى الابدى صنع نفس الشىء فى بيتنا واصبحت امى اعطاها الله العمر كآمنة وان اختلفت كلتاهما فى التعبير عن ضياعها وانكسارها بعد فقدان الزوج ..
تختتم صديقتى حديثها وهى تبكى وتقول اريد امى التى عرفتها منذ زمن طويل تلك السيدة الضاحكة الآمرة الناهية المسيطرة على كل شىء ، وتكمل كلامها وهى تنتحب وتقول من تعيش معى الان واعيش معها ليست امى فهى انسانة اخرى ذابلة حزينة غائبة عن كل مافى الدنيا وكل عالمها ماعاشته مع ابى فقد افسدها بتدليله لها واخذها منا واحتفظ بها لنفسه حتى بعد موته !!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط