الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسام بدر يكتب.. محنة البحث عن الخلود

صدى البلد

ثورة داخلي إلى خارجي تثور، قلب به قروح وبثور، ظلي أنا... أنا وظلي؛ كان ياما كان، كنا زمان ومكان، فلا أنا كنت كما كنت، ولا الزمان أصبح مثل زمان، ولم يعد المكان كالمكان.

سألته كم عمرك؟ قال هو عمرك! كان بيده مصباح بضيائه يتحسس ظلّال لماضيَّ أنا هو أيضا ماضيه، ينير أطلالًا بعدما ولىّ عنه صحبه ومحبوه، سألته يا أنا عما تبحث في الأسفل؟ ردني الظلّ: عن غصن من شجرة الخلد فما وجدت إلا درك أسفل؛ في حوزته بناء - مقرك ومقري الأخير، حين تنزع ويُنزع عني الجسد العليل؛ تبسمتُ وسألته: كم متبقي من العمر؟ قال: قل سنين ثلاثين ثلاثية! انفرجت أساريري وقلت أمهلني فيها لعلّي أدرك موطن شجرة الأبدية، قبل أن يهلك عني هنا سلطانية، وحينها سأشاركك المقر الأخير راضيًا هناك مرضيًا.
كان جدي حكيمًا شغوفا بملحمة جلجامش، ذلك الذي أدرك أن الخلود لا تمنحه نبتة أو أشجار، بل عظائم من الآثار، فيها خير الثمار. قال لي جدي ذات يوم: ياولدي إنك تعيش وقتا يفنى، بعده زمن يومه كألف سنة ، ثم يكون الدهر عند من لا تأخذه سِنةٌ ؛ ياولدي دعك من العبث وغيرك لا تحسد، ازرع هنا ولدي وهناك ستحصد؛ أما هنا - كماء هطل، زخات وخرير وكثير مطر، فاختلط به عشب ونبات، مما الناس والأنعام تقتات، فلمَا! لمَّا ماذا؟ تزخرفت في ناظرك وتزينت، وظننت أنها إلى يديك تدحرجت، وبين قدرتك تمثلت، فإذا بها خيوط دخان من بين أصبعيك عنك قد تسللت، كانت "بُخَارٌ، ظْهَر قَلِيلًا فاضْمَحلّ، انحصر نباتها في صفرة ثم اندثر. نظرت حينئذ عبر النافذة إلى بوابات العلياء، وكما سألت ظلّي سألته: "عَرِّفْنِي نِهَايَتِي وَمِقْدَارَ أَيَّامِي كَمْ هِيَ" أسعيد بها أم شقاء هي؟ -- جاء الصوت: يا ثائر اعلم أَنَك زائر زَائِلٌ.

أسمعتْ! تبسم جدي ضاحكا ثم قال: شغلني البحث عن وجودي عن كل ما هو موجود...والواجد لا يكشف عن سر الخلود...كانوا هنا وكنا هنا وما كانوا وما كنا ... دعها يا ولدي تعمل دعها تمر، واعمل بُنَّي حتى تمر!
في زيارتي لمقر جدي الأخير، بدا لي وكأنه يتحسس ما بقي منه، ينفض التراب عن ترابه، سمع وقع أقدامي: من الزائر؟ ظلّ منك زائر - هكذا أجابه رفيقه في الأسفل الزائر؛ رده: ظلّي في الغد أيضا "زائر"، والكل زائر-"حتى زرتم"، فغده منزوع حين نزعه، ونزعته إلى ما هو منزوع منزوعة؛ يميل هذا الزوال إلى زوال: الجسد وحماته، مطعم وشراب وجدار ومن يداوي آهاته، سيزول حاضره ومستقبله وآماله، وكذا مضى ماضيه "، ثم حدث نفسه وكأنه يحاور الظلّ الزائر: لما الحيرة يا حائر؟ جميعك زائل، زمانك ومكانك، هلا نظرت ترابك؛ "وتلك الأيام"، فافعل من الأمور العظام، لرضا رب الأنام.

تأوه الظلّ الزائر ثم قال في نفسه: "متى أخلع عني جسدي لأرى رسمي، لا حيلة لي إلا رجائي وأمل صار كوشمِ، فك أسرك يا روح فقد وهن عزمي"؛ ثم وضع بعض الزهور على مقر جده الأخير، وبدا وكأنه يسمع صوتا يتسلل إلى قلبه "كنت قد نهيتكم عن زيارة الزائرين فزوروهم"، سمع صوتا في الخارج لمتنازعين، بدا له وكأنه ما بين نباح وعواء ومواء، سأل نفسه لما النزاع حول ما هو منزوع؟
قرأ وأنتهى إلى "ولا الضالين" - ردد صوت الزوار في الأسفل وهم يتحسسون رفاتهم "آمين!