الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان أمام اختبار عسير بعد 17 عاما في السلطة.. الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية يحكم اتجاهات التصويت في الانتخابات المحلية.. المعارضة الكردية تتحد للمرة الأولى.. وغضب في صفوف الجيش

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

  • انكماش مؤلم في الاقتصاد التركي يهدد فرص حزب أردوغان في انتخابات المحليات
  • سياسات أردوغان الاقتصادية تجبر رؤوس الأموال الأجنبية على الهرب من تركيا
  • حزب العدالة والتنمية يفقد تأييده التقليدي في الأوساط الكردية المحافظة
  • تذمر في صفوف العسكريين الأتراك بسبب احتلال شمال سوريا

يومًا ما منذ عشرين عامًا، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليلقي خطبة في حفل تنصيبه بعد انتخابه عمدة لمدينة إسطنبول، وقال إن "الديمقراطية تشبه الترام الذي لا تغادره سوى بعد أن تبلغ محطتك".

وقال مركز "فورين بوليسي إن فوكاس" البحثي الأمريكي إنه مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المحلية التركية في مارس المقبل، تبدو عبارة أردوغان وكأنها نبوءة حققها بنفسه، فهو قد استقل قطار الديمقراطية التركية ليصل إلى وجهته المنشودة: السلطة.

وأضاف المركز أن السجون التركية تغص بمعارضي أردوغان، فيما جرى تكميم وسائل الإعلام وإرهاب المؤسسة القضائية وإخضاع الجهاز البيروقراطي، بعد فصل أكثر من 150 ألف موظف ومسئول من مناصبهم.

وأوضح أنه بالرغم من ذلك، فإن سحبًا داكنة تحتشد في أفق مستقبل سلطة أردوغان، بعضها من صنع الأخير نفسه، ولأن الناخبين الأتراك اعتادوا على استغلال المواسم الانتخابية لإرسال رسائل محددة، فإن قدرة أردوغان وحزبه العدالة والتنمية على حسم النتيجة لصالحهما تظل محل شكوك.

وأوقعت سياسات حزب العدالة والتنمية البلاد في ورطة اقتصادية عويصة، كان من أثرها أن انخفض حجم الإنتاج الصناعي بنسبة 6%، وانكمشت مبيعات التجزئة بنسبة 7%، وهوى معدل النمو من 7.4% عام 2017 إلى 2% عام 2019، وبلغ معدل التضخم 20.3%، بينما تتزايد معدلات البطالة باطراد متسارع.

وكان الخوف من الإرهاب هو العامل الحاسم في قرار الناخبين الأتراك فيما مضى، لكن الاقتصاد أصبح الأولوية الأولى للناخب التركي مؤخرًا.

وبالنسبة لأردوغان، كان الاقتصاد المستند إلى المشروعات العملاقة بمثابة صفقة مربحة، فكان حزب العدالة والتنمية يوزع عقود المشروعات الكبرى على شركات المقاولات الضخمة، التي كانت بدورها تنفذ المشروعات التي تضمن للحزب تأييدًا انتخابيًا واسعًا.

لكن معدل النمو هبط إلى 1.6% خلال الربع الثالث من العام الماضي، وأصيب قطاع الإنشاءات بركود سيؤدي لا محالة إلى تسريح الكثير من العاملين بشركات المقاولات، وكان لأزمة قطاع الإنشاءات ما يشبه تأثير الدومينو الذي أصاب الصناعات المرتبطة بالإنشاءات، مثل الإسمنت والصلب والسيراميك، وامتد التأثير بفعل المخاوف الاقتصادية لدى المواطن التركي إلى صناعات السيارات والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية.

ويعتمد الاقتصاد التركي بشكل أساسي على الاستثمارات الأجنبية، أو ما يُسمى "الأموال الساخنة"، التي أجبرتها سياسات أردوغان الاقتصادية على الهرب وتصفية أعمالها في تركيا.

ولأن جزءًا كبيرًا من الديون التركية بالعملات الأجنبية، يغدو صعبًا على الحكومة والشركات التركية المدينة أكثر فأكثر تسديد ديونها مع تراجع قيمة الليرة، وقد فاتحت أنقرة صندوق النقد الدولي ليضع خطة إنقاذ للاقتصاد التركي.

وبالعودة إلى السياسة، قال مركز "فورين بوليسي إن فوكاس" إنه بالرغم من امتلاء السجون برموز المعارضة ضد أردوغان، فإن الأخير لم يفلح في القضاء عليها بشكل تام، ومع أن تسعة نواب برلمانيين من حزب الشعب الديمقراطي الكردي رهن الاعتقال فإن الحزب نجح في الحصول على أصوات كافية لوضعه في مركز ثالث أكبر الأحزاب البرلمانية، وأثار إضراب عن الطعام دخل فيه نشطاء أكراد محبوسون تعاطفًا واسعًا مع حزب الشعب الديمقراطي، ولأول مرة في تاريخ تركيا شكل عدد كبير من الأحزاب الكردية جبهة موحدة.

وكان من المعتاد أن تصوت كتلة معروفة من الأكراد لصالح حزب العدالة والتنمية، خاصة في البيئات الريفية المحافظة، لكن مع حملة البطش التي شنها أردوغان ضد حزب الشعب الديمقراطي خسر العدالة والتنمية نسبة معتبرة من تأييده في المناطق الكردية، ومن حيث لم يقصد دفع أردوغان قوى وأحزاب كردية لتشكيل ائتلاف تبدو فرصه واعدة في الحصول على نسبة من مقاعد المحليات لم يستطع الأكراد تأمينها من قبل.

وتتهم المعارضة التركية حزب العدالة والتنمية بإدراج أسماء وهمية في قوائم الناخبين، وفي إحدى الوقائع اكتشف مراقبون من حزب الشعب الديمقراطي أن 1108 ناخبين مسجلين على نفس العنوان.

وصحيح أن أردوغان استطاع تأمين أغلبية الأصوات لتمرير تعديلات دستورية منحته سلطات هائلة وحولت نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي في 2017، فإن مما لا تخفى دلالته أن كبرى المدن التركية؛ إسطنبول وأنقرة وإزمير، قد صوتت ضد التعديلات الدستورية.

وكشف استطلاع رأي أُجري مؤخرًا أن شعبية حزب العدالة والتنمية هبطت من 42.5% إبان الانتخابات البرلمانية التركية في 2018 إلى 35% اليوم.

في السياسة الخارجية، يصعب القول إن أردوغان حقق إنجازًا من أي نوع، فعملياته العسكرية في شمال سوريا فشلت في القضاء على قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، وفضلًا عن ذلك فقد وجد نفسه متورطًا في مواجهة مع الروس والأمريكيين في سوريا، بل إن تحركات الجيش التركي دفعت الأكراد إلى التقارب مع الحكومة السورية التي كانوا يرونها خصمًا لهم من قبل.

وحتى داخل الجيش التركي هناك شعور متنام بأن أردوغان بات يكلفه بما لا طاقة له به، بعدما أبعد واعتقل عددًا هائلًا من الضباط والعسكريين المحترفين، وهناك تقارير موثوقة تتحدث عن استياء في صفوف الجيش إزاء تكليفه باحتلال شمال سوريا.

من جانب آخر، فلم يحقق أردوغان أي مكسب من وراء خصومته مع السعودية بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولا هو ربح شيئًا من تحالفه مع قطر، كما أن تحديه للعقوبات الأمريكية على إيران ينذر بتعريض تركيا نفسها للعقوبات الأمريكية.

وختم المركز بالقول إنه بعد 17 عامًا من حكم أردوغان، يبدو أن الشعب التركي كشف حقيقة المصير الذي يقوده إليه الرئيس التركي، وربما يقرر الناخبون الأتراك إرسال الرسالة الصحيحة في انتخابات المحليات الشهر المقبل.