EN 
يستيقظ عم فتحى محمد "60 عاماً" عامل نظافة بإحدى محطات مترو الأنفاق عقب صلاة الفجر ويحرص على أداء مناسكها يوميًا برفقة زوجته ثم يردد ٱذكار الصباح ويهرول سريعا لتناول الإفطار بصحبة زوجته، ويستودعان ابنتهما الصغيرة التى لم تتخط 10 أعوام، ليرتدي الأبوين زيهما الخاص بٱعمال النظافة وينصرفان بهدوء نحو مترو الانفاق مكان عملهما.
يقبض "عم فتحى"، مقشته والجروف الخاص بأعمال النظافة ويخوض دورته المكوكية حول محطة المترو لتنظيفها مستعينا بترتيل آيات الذكر الحكيم بصوت خاشع ٱشبه بكروان يحلق بسماء صافية يكاد يبكى قلوب من حوله بمجرد سيرك نحوه وتقرر فجٱة الاقتراب منه رويدًا رويدًا.
"اتولدت فى سوهاج وبقالي في القاهرة 38 سنة اشتغلت فى حاجات كتير لحد ما وصلت لشغلانة عامل نظافة فى المترو"، جملة سرد خلالها عم فتحى تفاصيل نشأته بمحافظة سوهاج، وعمله بالعديد من الوظائف التى تباينت ما بين سائق على عربيات "نصف نقل"، و"شيال" بمحطة مصر، وفرد أمن بإحدى العقارات لتصبح عامل نظافة آخر محطاته.
تنتظره يستكمل تلاوته العطرة وتستوقفه قليلا وتجهر باعترافك ٱمامه بعذوبة ترتيله، ليفاجئك بأميته حتى بقراءة وكتابة الأبجدية ولكنه حافظ كتاب الله عن طريق سماعه منذ طفولته لآيات القرآن ب "الراديو" ، ومؤخرا بالقنوات الدينية بالتلفاز، لافتاً إلى أن أنه يفضل سماع تلاوة النقشبندى والطبلاوى عمن سواهم من مقرئي القرآن الكريم.
يمتلك نفساً قانعة لأبعد الحدود والتى قد تكون عملة نادرة فى هذا الزمان تحيطها ملامح بشوشة يرسلها لمن حوله لاعتقاد راسخ يمتلكه "الدنيا أبسط من اننا نمسك فى خناق بعض نعمل لآخرتنا ونعبد ربنا ونطمع فى الجنة ده أهم حاجة"، وما أن ينهى حديثه تجده استكمل تلاوته المريحة للأفئدة.
تعود جذور "عم فتحى" لنجع ولاد صقر بمحافظة سوهاج، وله أربع بنات قام بتزويجهن جميعا عن طريق "الجمعيات" التى ينظمها مع بعض زملائه لتجهيزهن والاطمئنان عليهن "فى ضل راجل" على حد وصفه، مؤكدًا رفضه دخولهن الجامعة لاستكمال دراستهن، والاكتفاء فقط بالمرحلة الثانوية وفقا للموروثات الصعيدية لعائلته.
ينظر للسماء لبضع دقائق ثم يقبل كف يده اليمنى ويطلق همهمات متقطعة فحواها " الف حمد وشكر ليك يارب " ليكشف انه يتقاضى 1000 جنيه راتبًا شهريًا نظير عمله كعامل للنظافة 12 ساعة يوميًا تبدأ من السابعة صباحًا وحتى حلول المساء بإحدى محطات مترو الأنفاق عامل النظافة، ويقطن بشقة إيجار بالمعصرة بمنطقة حلوان بتكلفة 700 جنيه شهريًا، أما زوجته التى تعمل بنفس مهنته فيبلغ راتبها 500 جنيه ليكون إجمالى ما بعينه على تدبير نفقات المعيشة 1500 جنيه شهريًا، ليقول بكل ثقة وثبات منقطع النظير بإبتسامة تكسو ملامحه "عمرى ما مديت ايدى لحد وطلبت مساعدة انا راضى بحالى ومبسوط وكفاية انى أواظب على صلواتى، واقرأ القرآن كل دقيقة ده كفيل ينور حياتى ويباركلى فى رزقى وصحة مراتى وولادى ربنا بيدبر رزق النملة فى الجحر فما بالك بعباده اللى خلقهم".
