الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د حسام بدر يكتب: محنة انتظار المخلص

صدى البلد

قال الصادق (ص): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطا وعدلا کما مُلئت ظلما وجورا"؛ ومن سفر أشعيا نقرأ: " فيقضي بين الأمم ، ويُنصف لشعوب کثيرين ".

كانت عيناه تقلبان صفحات من مسرحية "في انتظار جودو"، فتلقفتا منها عبارة "إنهم في الجحيم غارقون، لهيبه إلى السماء يحملون، إلى نجومها المستكينة بنيرانه سيشعلون.

حدث نفسه: صبر جميل أيها الشيخ العليل ، كنتُ ذات يوم بالأمل بصير- حُطِمّت في أرضنا الأحلام، وما زالت كما هي الأصنام-- فالأرض الطاهرة مزلزلة ، بأحمال من ماضي لئيم مثقلة ، وبلاد قسيون مدمرة، وكنعان محاصرة، وبابل فوضى والكنانة في بلبلة.

نادى: "يَا مُخَلِّصَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ" أفئدة المخلصين تهفوا إليك، ارسله يخلص المقهورين وينقذ المعذبين. هبطت عليه نسمة كأنها بسمة، فاشتم ريحه، وتعطر أنفه بأريجه ــ همس في نفسه : جودو قادم ورب السما، سينأى بنا من عذاب مطول وعنا. 

سمع صياحا: أ اقترب يوم حسابيا؟ والجزاء ملاقيا!.....هدأ الصوت، فتهادت ترانيم دانية ، كأنها لجودو جاءت على استحياء متهادية: أحبك صعودا، من سفح جبل إلى قمته، صدري يتسع رغم تصعدي إلى السماء- سماء محبتك، أهطلي من بواباتها مطرا سَكَرا للعشاق، فأنا لها مشتاق.

نظر الشيخ إلى تلامذته بجانب الطور ، وقد تراءت له سحابة من نور، ثم أبصر زخات مطر أعقبت الريح، فصاح غدا قادم ورب الندى ، قادم هو وإله النوى ، على سحابة من أمل قد استوى-- رتل: "والضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى"، أبصر فتى ظهره قد انحنى، وبائسا شريدا عن المحيا قد انزوى، ويتيما بعلقم اليتم قد انطوى ، وهيفاء قلبها بالحزن قد انكوى ---- ردد : "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى".

قال بعضهم من نسل داود جاء هو، ليحقق على الأرض ملكوت "ياهو"؛ وقال آخرون جاء ليعيد الآدميين إلى الفردوس وينفض عنهم الدنيئة، بعد سقوط الإنسان الأول في الخطيئة. تمتم الشيخ: هو منا وفينا وإلينا ولنا- ليس (كما قالوا) على وجه الحقيقة.

تمتم تلميذ يا شيخي أيها الراهب لما قوله عنك غائب "ويل للعرب من شر قد اقترب"، فليبحث كل واحد منا عن قارب، ينجو بنفسه عن أرض المثالب، فالمحب لها فيها في غم غاضب، زمن ممجوج الديبُ جوج فيه غالب، ,والنفير لسداسية مأجوج والثعالب. انج بنفسك أيها الشيخ، فالمدن تحترق، وكل شيء حولنا وفينا مخترق، حتى غرفات النوم فيها السمع مسترق. 

كلا بني والأقدار، ولو ولي الرجال الأدبار، واُفشيت الأسرار، وزرعت في النقب الأشجار، أشجار هي من شرهم- بلا ثمار، رجس ورعب فيها ودمار، ورائها يختفون وعن الأعين يختبئون، وقبة حديدية وألاعيب غير مرئية، وثلة منا من المنافقين وجماعة من المخادعين -- أيظن هؤلاء أنها مانعتهم من بأس القادم، كلا إنه ورب العلى لقادم. 

كان بهلول بين الحضور، بيد أنه كان في سكنة نائم ، في حلم بالخلاص هائم ، سأل: من القادم ؟ أجابه الشيخ: من "البارقليط" هو، هوذا القادم قادم في الشفق مَعَ السَّحَابِ، بثناء وحمد الصحاب مشهده سيخلب الألباب 
تساءل بهلول كيف نعرفه ؟ 

قال: كل المخلصين حراسه ومن صفاته، جميع البواسل حماته وكسماته؛ تعرفه النسور والبطحاء والصخور، ذو قوة خارقة للظالمين حارقة ، سيكسر سيف الخزي وسيطرد الغريب، وسيقطع ألسنة الخنازير، وسيحكم بالعدل بين الورى --- تهلل وجه بهلول وأمسك مسبحته الخضراء ويداه إلى العلياء مرتلًا "وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى"--- ثم همس: هو قادم ، قادم هو!