الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مجلة الرسالة..عندما صنعت الصحافة الأدب.. حكاية مجلة جمعت العقاد وطه حسين وسيد قطب

صدى البلد

«وأخيرًا تغلب العزم المصمم على التردد الخوار، فصدرت الرسالة، وما سلط على نفوسنا هذا التردد إلا نُذُر تشاع وأمثال تروى. . وكلها تصور الصحافة الأدبية في مصر سبيلا ضلت صواها وكثرت صرعاها فلم يوفِ أحد منها على الغاية»، بضعة أسطر كتبها أحمد حسن الزيات ليبدأ بها عهدًا جديدًا للصحافة في عهد اندثر فيه الأدب وعلا صوت السياسة، وأصبحت الأجواء جافة بحاجة إلى من يروي عطشها بالأدب والفن، ليصدر مجلة الرسالة في ثلاثينيات القرن الماضي.


عاد الزيات من بغداد، بعدما أمسك براية الأدب في مصر واشتهر بفصاحته في الوطن العربي، ويعد صاحب مدرسة في الكتابة، وأحد أربعة عُرف كل منهم بأسلوبه المتميز وطريقته الخاصة في الصياغة والتعبير، والثلاثة الآخرون هم: مصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، ويوازن أحد الباحثين بينه وبين العقاد وطه حسين، فيقول: «والزيات أقوى الثلاثة أسلوبًا، وأوضحهم بيانًا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظًا، يُعْنى بالكلمة المهندسة، والجملة المزدوجة، وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كتابنا في عصرنا».


أصدر في الخامس عشر من يناير عام 1933، العدد الأول من مجلة الرسالة، لتكون بمثابة الحلم الذي تحقق، والأمنية التي طالما رغب في لمسها على أرض الواقع، أوضح في الرسالة الأولى من إصدارها الأول غايتها من الظهور وهي أن تقاوم طغيان السياسة بصقل الطبع، وبهْرجَ الأدب بتثقيف الذوق، وحيرة الأمة بتوضيح الطريق.

بخط عريض في المنتصف كتبت "الرسالة"، كتب تحتها " مجلة أسبوعية للآداب والعلوم والفنون"، وترجمت بالإنجليزية تحتها، ثمن العدد 30 مليما، و100 قرش قيمة الاشتراك الشهري في مصر والسودان، و80  للممالك الأخرى، وأرسلت للعراق عبر القطار السريع وبيعت هناك، واتخذت من شارع السلطان حسين بعابدين مقرا لها، ترأسها الزيات، وجمع في هذه المجلة جهابذة الأدب في مصر والوطن العربي، وأصبحت كنزًا من كنوز الصحافة العربية، يتعطش إليها الأدباء، وينتظرونها بكل شغف، كتب فيها العقاد وأحمد أمين، سيد قطب ومحمد فريد أبو حديد، أحمد زكي باشا، مصطفى عبد الرازق، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، محمود محمد شاكر والشابي.



وقال الزيات في رسالته بالإصدار الأول: «أما مبدأ الرسالة فربط القديم بالحديث، وصل الشرق بالغرب، فبربطها القديم بالحديث تضع الأساس لمن هار بناؤه على الرمل، وتقيم الدَّرَج لمن استحال رقيه بالطفور! وبوصلها الشرق بالغرب تساعد على وجدان الحلقة التي ينشدها صديقنا الأستاذ أحمد أمين في مقاله القيم بهذا العدد»؛ مؤكدا أن اعتمادها على الأدباء البارعين والكتاب النابهين في مصر والشرق العربي، واعتصامها بخلصائها من أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر، وهم صفوة من خرَّجت مصر الحديثة في مناحي الثقافة، إذا اجتمعا في نفسها مع ما انطوت عليه من صدق العزم وقوة الإيمان أحدثا هذه الثقة التي تِشيع في الحديث عن غير قصد.

كان حلم الأدباء حديثي العهد حينها أن تنشر إحدى مقالاتهم أو أشعارهم على صفحات المجلة، التي حلقت إلى آفاق بعيدة من الأدب والفن، فنشرت القصص الأدبية وشعر وكافة ألوان الأدب، وتفنن الزيات في جمع أكبر قدر من الأدباء لتتميز المجلة بالتنوع في محتواها لتناسب الأذواق كافة.


عمرٌ قصيرٌ عاشته مجلة الرسالة، عشرون عامًا فقط، 1025 إصدارًا، بعدما أثرت بقوة في الحياة الأدبية في مصر، ومع انتعاش الصحافة غلبت اللغة العامية على الإصدارات، انطفأ بريق الرسالة، ليتم حجبها في مثل هذا اليوم عام 1953، وانتكست راية الأدب بعدما كانت المجلة الأدبية الأولى في مصر والوطن العربي، بمثابة كلية للأدب تتلمذ فيها وتخرج منها أعلام يذكرهم التاريخ حتى اليوم، وأفسحت مجالًا لظهور أدباءٍ جدد مثل محمود محمد شاكر، ومحمد عبد الله عنان، وعلي الطنطاوي، ومحمود حسن إسماعيل، وأبو القاسم الشابي. 

حزن عليها العقاد بعد توقفها، وكتب عنها أن التاريخ الأدبي لن ينساها، وحاول الزيات إصدارها مرة أخرى بعد ذلك إلا أنها لم تكن بنفس التوهج الذي صدرت به حتى توقفت مرة أخرى.