الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ميسرة السيد تكتب : جدتي

صدى البلد

اشتقت إليكِ كثيرًا، مازلت أتذكر تفاصيل ذلك اليوم المرير الذي غادرتي فيه وتركتيني، غادرتي دون أن نشعربتجلط فؤادك، ألم شديد تحملتيه دون أن تفصحي عنه، حقًا لا أستطع التوقف عن البكاء إبان كتابتي ذلك المقال لكِ، فأنا أرغب بشدة أن أتحدث معكِ في أي شئ، وإن كنِت معي كانت الأرض ستهون بكل ما عليها، إن كان بيدي الاختيار لن أتردد في اللحاق بكِ، فأنا لم أشتاق فحسب، بل أحتاج إليكِ بشدة.
كان ذلك اليوم عصيب، استيقظت فيه باكرًا للاستذكار، لم أتناول الإفطار وانتظرتك حتى تستيقظي، دقت الساعة التاسعة، فقولت لوالدتي:" أيقظي الملكة، فأنا أتضور جوعًا"، بالفعل دخلت ثم سرعان ما خرجت، حسبت أنكِ صرختِ في وجهها كالعادة كي تتركك، انزعجت كثيرًا فدخلت أنا، جلست بجانبك على السرير، لمست يدكِ كانت باردة كالثلج، ومغمضة العينين، وفجأة رأتني والدتي فأمرتني بالخروج من الغرفة، نعم استطعت أنأسرق آخر نظرة عليكِ قبل أن أودعك، تالله لم أعلم حينها أنها آخر مرة، ولو علمت ما كنت خرجت وتركتك.
جاء الطبيب في تمام الساعة التاسعة والنصف، وقفت أتنصت على كلامه الذي نزل علي كالصاعقة حين قال:" أنا آسف، ليس باستطاعتي أن أفعل شيئًا، البقاء لله"، ثوانٍ عددت حسبتها سنوات، حقًا توفت جدتي، بالتأكيد لا لا ليس اليوم، فأنا مازلت في أشد الحاجة إليها، دخلت في نوبة بكاء عميقة، وشعرت حينها بأن جزء من فؤادي انسلخ عن جسدي، فإن قيل بأن أعز الولد ولد الولد، بالتأكيد أعزإنسانة هي أم الأم، هَل الأهل والأقارب، وسرعان ما بدأت مراسم الدفن التي انتهت سريعًا، وكأنكِ كنت على عجلة من أمرك، لا أعلم لماذا لكن بالتأكيد كنتِ على حق.
لا تعلمي كيف مرت أول ليلة بدونك، تمنيت أنني أحلم فأستيقظ لأجدك بجانبي، لكن لم يحدث ذلك، لم أستطع النوم، تملكني الرعب،وحين دخلت غرفتك تخيلتك فيها كي أطمئن، لقد نسيت أن أبلغك بأنني أكتب هذا المقال من غرفتك، وأشعر الآن بأن روحك تطوف حولي، أشعر برغبتك في محادثتي لكنكِ غير قادرة على ذلك، وفي كل ليلة من الليالي أتمنى أن تشاركيني أحلامي، لقد مرت فترة كبيرة دون أن تأتي لي، لا أعلم إن كنتِ غاضبة مني أم تناسيتيني، فإن كنتِ حقًا مازلتِ تتذكريني سأنتظرك الليلة تشاركيني حلمي.
جدتي، اشتقت لنطق تلك الكلمة، أتعلمي يا جدتي تلك المرأة التي تجلس في شارعنا، فإنني أراكِ فيها، ينتابني شعور بالسعادة حين أراها، وأرغب في احتضانها بشدة؛ لأنني على يقين بأنه سيكون حضنك أنتِ، مرت خمس سنوات على فراقك، تبدلت الأحوال، فالصغير صار كبيرًا، وأصبحت ابنتك الكبرى جدة لأربعة أحفاد، أما عني فقد أوشكت على التخرج، وبالنسبة لأخي الذي استثنيتيه قبل فراقك بيوم، وقولتِ له بأنكِ ستشتاقي إليه، أصبح بالثانوية العامة، لقد كنتِ الوحيدة القادرة على تهدئته حين ينزعج من أمر ما، كنتِ الوطن الصغير لنا، حتى تلك القصص والروايات التي طالما رويتيها لنا مازلت أتذكرها، عشت معكِ أكثر من نصف عمري، كنتِ كالدواء بالنسبة لي، وبعد وفاتك انتباني شعور مخيف تجاه التعلق، فكلما أحببت شخصًا كثيرًا فارقته بسبب خوفي من الفراق حتى قابلت شخصًا استطاع أن يغير تلك الفكرة لدي، لكن حقًا مازلت خائفة من آلام الفراق.