الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب : صلة الرحم‎

نورهان البطريق
نورهان البطريق

أحرف تحمل في طياتها الرحمة، وتنم في ظاهرها عن الترابط ، ولكن إذا دققنا النظر في واقعنا،  سنكتشف أنه يخلو منها تماما، بل قد نفعل عكس ما تحمله الكلمة من معنى، فالعالم الخارجي لا يهتم بأرحامه بقدر ما يهتم بأصدقائه، ولا يولي أقاربه اهتماما بقدر ما يوليه لمديره وزملائه بالعمل ، فأحيانا قد تتضمن أولوياته زيارة الشخص المنوط لترقيته أو زيادة راتبه ، في حين أن نفس القائمة ليس لديها متسع من الوقت لزيارة عمه أو خاله.

مقاطعة الأرحام باتت أسلوب حياة داخل الأسر المصرية، فالبرامج الاجتماعية تستغرق أكثر من نصف وقتها -إن لم تكن كلها-في تلقي الاتصالات الهاتفية والتى تدور أغلبها في فلك مقاطعة الأهل و الأقارب، وبالرغم أنهم يحصلون علي إجابة واحدة فاصلة :"حرام"، إلا أن عدد المكالمات يزداد كلما تقدم بنا العمر، و كأن المكالمة مجرد وسيلة يتبعها المتصل من أجل أن يريح ضميره، أو أن يكون لديه رغبة في أن يسمع الإجابة التى تروق له، لأنه علي الأغلب يصب علي مسامع الحاضرين كلاما يرمي إلي أنه الطرف المظلوم ومن ثم يتوق إلى سماع ما يحثه علي البقاء علي مقاطعته لأقاربه ، رافضا اية محاولات تدعو إلي التسامح حتى لا تؤدي به إلي التصالح معهم.

بِت لا أتعجب من أخ يتحدث مع جيرانه، في حين أنه إذا صادف وقابل أخاه يشيح بوجهه عنه حتى يتحاشى النظر إلي عينيه. اعتدت أن أرى شخصا يقدم المساعدة للكبير والصغير، ولكن حينما يدرك أن المساعدة تخص أخته يرفض بشدة أن يقدم لها يد العون. وما العجب في هذا، فقد باتت تلك المواقف موضة هذا الزمان. فالروابط الاجتماعية تكاد تكون تمزقت ، فقد أصيبت العلاقات الأسرية في مقتل ، حتى أصبحنا لا نتقابل إلا في المناسبات التى تحمل في ثناياها الكثير من المجاملات إلي أن تنقضي، فيلقي كل واحد منهم ظهره للآخر ، كأنه لم يعرفه من قبل.

قد ينتج عن سوء التفاهم خلاف، ولكن هذا ليس معناه أن نتخاصم إلي الحد الذي يجعلنا نقاطع بعضنا البعض، قد يكون الشخص خانقا  من أخيه وغاضبا جراء فعل اقترفه، ولكن هذا لا يدفعك إلي أن تدري أنه مريض أو أصابه مكروه، ومع ذلك تأبي أن تزوره بحجة أنك غير راغب في رؤيته ، فضلا عن أن بعض حالات المقاطعة قد لا تشمل الأخ فحسب، بل زوجته وأولاده ايضا، مما يؤدي إلى فتح الباب للمتصيدين لإشعال النيران بينهم أكثر فأكثر حتى يغدو أمر التسامح والعودة من جديد مستحيلا.

لا أدري ماذا كان يفعله أجدادنا حتى صارت بيوتهم أكثر ترابطا وتماسكا من بيوت الأجيال الحالية، فقد كان "البيت الكبير" مكانا له هيبته واحترامه، ولا مكان فيه للخلاف، بالطبع كانوا يختلفون في آرائهم ولكن لم يسمحوا للخصام أن يتسلل بينهم ، كانوا يلقون كل شيء جانبًا من شأنه أن يؤثر علي روابطهم بأسرهم، كانوا يقدرون الصلات الاجتماعية ويقدسون مفهوم العائلة . وبالرغم أننا أكثر تعلما وتفتحا منهم، إلا أننا فشلنا في تحقيق روابط أسرية ناجحة مثلهم، الأمر لا يتعلق بالتعليم أكثر ما يتعلق بالتربية. 

سلفًا كان الأكبر سنا له مكانته التى يهابها الجميع ،كما أنهم كانوا يوقرونه حبا فيه واعتزازا به لما له من قيمة وقامة من شأنها أن تحل اية مشكلة و تتصدى كذلك لأي خلاف يمكن من خلاله أن يؤدي إلى حدوث التفرقة والتفكك، لذا فكانت كلمته تنفذ على الجميع دون اعتراض، وأوامره تتحقق دون نقاش من أحد. أما الآن فقد بات كل شخص كبير نفسه، يخاصم كما يحلو له ، ويقاطع كيفما يشاء من أفراد أسرته دون أن يحاسبه أحد، فقد صرنا نتعامل في مجتمعنا الصغير حسب أهوائنا الذاتية وميولنا الشخصية حتى آل بنا إلي مقاطعات قد تتعدى العشرين عاما ، وأحيانًا يكون الموت أسرع من قدر التصالح ويزور أحدهم وهو على خصومة مع أحد أقاربه ، ولذلك بات الحال حقا يرثى له.