الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أميرة خلف تكتب: توابيت علي القُضبان.. وقطارات خارج نطاق الخدمة

صدى البلد

على السادة الراغبين في " الرحيل " التوجه إلى الرصيف رقم ٦.
كانت تلك الكلمة الأخيرة التي تلقوها ليقفز كلًا منهم إلي وجهتهِ ولم يكن يُدرِك أنه سيرحل إلي رحلتهِ الأبدية ..

أصبحت القطارات في مصر عبارة عن توابيت للموتي، فالواقع يؤكد أنه مازالت ملفات حوادث القطارات غامضة وبها الكثير من علامات الاستفهام التي تؤكد أن الفساد تربع واستشري في أركان الهيئة في حين تركت دماء الأبرياء تنزف علي القضبان بشكل مُروِع ولم يعد يمُر يوم إلا وتُرتكب مذابح علي مداخل المزلقانات بجميع محافظات مصر.

كان السفر بالقطارات بين المحافظات متعة ؛ ولم يكن قطعة من العذاب فضلًا عن أنها كانت وسيلة انتقال آمنة..
تحوَّلت القطارات فجأة إلي توابيت تسير علي القضبان .. كوارثها يُصعَب حصرها وضحاياها بالمئات في كل حادثة أما عربات القطارات فهي مُدعاة للحسرة يستوي في ذلك القطارات المكيفة وقطارات الغلابة..
يبدو أن ورش الصيانة بالأقاليم أصبحت خارج نطاق الخدمة.. والدليل علي ذلك ان الحوادث المروعة التي تقع فيها تهتز لها أركان المعمورة

لقد أعاد حادث القطار الدامي في القاهرة، الأربعاء إلى الواجهة سجلًا طويلا من حوادث القطارات المأساوية التي أودت بحياة مئات الأشخاص في مصر خلال عقود..
وسقوط ضحايا إثر اندلاع الحريق الهائل في محطة القطارات الرئيسية وسط القاهرة (محطة مصر) والذي نجم عن اصطدام القطار بأحد الأرصفة هو بحد ذاته يشير إلي السبب الأول والرئيسي ألا وهو : الإهمال والفساد

مرات كثيرة تمت إقالة رئيس السكة الحديد، وأيضا وزراء النقل، ولم يتغير الكثير ؛ ضحايا وجرحي ودماء علي القضبان.. فلا يمُر عام إلا وتشهد قطارات السكة الحديد حادثًا مفجعًا يلفت الأنظار إلي أن الحل لا يگمن في إقالة وزير أو عزل رئيس هيئة من منصبهِ ولگن في إعادة هيكلة المنظومة الفاشلة للسكة الحديد بأكملها.. فالسائقون والعمال بالسكة الحديد في حاجة مُلِحة وسريعة لإعادة تأهيل وتدريب. 

فرغم أن مصر تعد أول دولة فى الشرق الأوسط عرفت قطارات السكك الحديدية عام 1854 والتي كان يُضربُ بها المثل في الانتظام ودقة المواعيد سنوات طويلة، إلا أن يد الإهمال كانت دائمًا هى الآفة التى تنخر فى هذا المرفق الهام والحيوى، حيث غابت عنه أعمال التطوير لسنوات طويلة، وأصبح ركابه يعانون من تأخر القطارات المستمر وسوء حالتها وتصاعدت أعداد حوادث القطارات من يوم لآخر حتى أصبحنا ننتظر كل صباح أنباء كوارث السكك الحديدية التى تحصد مئات الأرواح.

اليوم أصبحت تعاني من خلل في منظومة الصيانة وتداعيات إهمال أصابتها على مدى عقود مضت، وغياب الصيانة المنتظمة، وسوء الخدمة المقدمة لركاب القطارات، ومعظم الجرارات انتهى عمرها الافتراضى، وعربات غير آدمية بدون أبواب أو زجاج، ونقص فى الأيدى العاملة المدربة والميزانية «هزيلة».

مما يجعل معدل الحوادث أعلى بكثير من نسب باقي دول العالم، فلقد أصبحت فوبيا الموت تطارد رواد السكك الحديدية، متسائلين إلي متى يتوقف نزيف الدم علي قضبان السكك الحديدية؟!.

ومع علم الجميع بما آلت إليه أحوال السكك الحديدية فى مصر فإن التطوير مازال غائبًا والحوادث تقع كل يوم ولا أحد يتحرك لوقف نزيف الدماء على القضبان.

كلنا نعي أن السكة الحديد كيان مؤسسى كبير يحتاج لإعادة هيكلة بشكل جاد وفعال حتى تتوافر بيئة عمل منضبطة ومعايير للسلامة والأمان على قضبان السكك الحديدية وهذا يتطلب وجود مخطط استراتيجى لإحداث التطوير ورئيس هيئة يكون ماهرًا وعلي دراية بالمشكلات التى تواجهها الهيئة

تلك المشكلة هى مسئولية الدولة فى المقام الأول ، لتركها الوضع بهذا السوء.. من السلبية والفوضى، الأمر الذى ساعد على وقوع الكثير من الحوادث.. فالمشكلة الأكبر تكمن فى غياب تطوير الأسطول المنهار.. فجزء كبير من عربات السكك الحديدية لا تصلح.. وتحتاج لتطوير.

ومع أن الحديث لم يتوقف طوال السنوات السابقة عن خطط التطوير للقطارات والمزلقانات والإشارات لكن العنصر البشرى لم تُطله يد التطوير فعليًا، وغيرها من الظواهر السلبية التى حان الوقت لمنعها والوقوف فى وجه مرتكبيها، فالجميع مسئولون ركابًا وعاملين وقيادات حتى تعود للسكك الحديدية مكانتها اللائقة.

فإلي متي ستظل مصر في هذا المتاهة ..؟

فكم من دماء سالت على قضبان السكة الحديد، وكم من أرواح أُزهِقت تحت عجلات قطاراتها ، وكم من أبرياء لفظوا أنفاسهم الأخيرة بسبب بدائية العمل فى مزلقاناتها، وكم من دماء ستسيل، وكم من أرواح ستُزهق، وكم من أنفس ستصعد إلى بارئها، وكم.. وكم، والحوادث لن تنتهى، والكوارث لن تكون الأخيرة، ما دام الإهمال هو سيد الموقف والطرف الثالث الذى يعيش بيننا. يبدو أن قضبان السكة الحديد ظمأى وعطشى، فكم شربت وارتوت من الدماء الذكية الطاهرة، فإلى متى ستظل دماؤنا ودماء أبنائنا وآبائنا تروى هذه القضبان؟ إلى متى ستظل أرواحنا أسرى الإهمال؟ وإلى متى سيستمر هذا المسلسل الدامى الذى يَعتصِر قلوبنا ويُحزن أفئدتنا كل فترة من الزمن؟ هل تطوير مزلقانات السكة الحديد ألغاز يصعب حلها، أو طلاسم يستحيل تفسير حروفها؟

فى النهاية لن تكفى أى مساحة لسرد معاناة الناس ورغم كل تلك المعاناة هم مضطرون لارتيادهِ لأنه لا يوجد بديل.

وها نحن ذا نري وسط ذهول واضطراب المواطنين الذين كانوا يأملون في أن ينقلهم القطار إلى ذويهم، نقلهم الموت إلى العالم الآخر، وتناثرت أجزاء الحياة مع ما تبقي من حقائب، ولازلنا نُفَاجئ بشبح الموت يَطال أعزائنا إما برصاص الإرهاب أو حوادث الطرق ومآسي السكك الحديد.

أي ذنبٍ اقترفوه هولاء ليُصبح ربيع عمرهم متزامنًا مع خريف هذا الوطن ..
رحم الله ضحايا محطة رمسيس وألهم أهليهم وذويهم وألهمنا الصبر والسلوان ....