الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غادة حمادة تكتب: حكايتي مع داعش

صدى البلد

نعم لا تتعجبوا.. فإن لي معهم حكاية.. حكاية عشتها بكل تفاصيلها.. استسلمت لها بكل جوارحي.. عشتها علي مدار ثمانية وأربعين ساعة.. بكيت وغضبت وصرخت وتألمت مع كل حدث أو كلام أو مشهد.

رأيت كيف ينضم الرجال والنساء إلى تنظيم داعش من أجل المشاركة فيما سمّوه الجهاد في سبيل الله ويقيموا بدولة الخلافة الإسلامية... رأيت كيف يصلون بهؤلاء الي المعسكرات وكيف يتم نقلهم عبر الحدود... رأيت كيف يقومون بعمليات غسيل الدماغ ومحو العقول... رأيت كيف يستغلون الدين ويلوون معاني الآيات لتحقيق أهدافهم وهم ينعمون بملاذاتهم وشذوذهم... رأيت كيف يفصلون الاطفال عن امهاتهم فيكبرون علي كرههم واحتقارهم... رأيت كيف تتخلي الأمهات عن أولادها بقسوة ليفقدوا انسانيتهم والفطرة السليمة... رأيت كيف لديهم جيشا من رجال ونساء يقودون الحرب الالكترونية للتأثير علي الرأي العام واستقطاب مزيدا من الشباب الي صفوفهم... رأيت كيف يتمتعون بهذا القدر غير المحدود من العنف والدموية واللانسانية.. هالني ان حتي هؤلاء الذين اكتشفوا بغيهم وزيفهم واكاذيبهم لايعرفون طريق الرجوع وسيختارون الموت معهم لأنه لا مفر منه.

والحقيقة لم اكن احتاج لكل ما رأيت لازداد كرها لمن يسمون أنفسهم بالإسلاميين الجهاديين... فقد شاهدناهم بدلا من المرة الف مرة... في فيديوهاتهم المصورة لقطع الرؤس وحرق الأسرى والإعدامات الجماعية... رأيناهم وهم يحرقون الكساسبة حيا... رأينهم وهم يقطعون رؤوس الـ 20 مصريا أمام أحد الشواطئ الليبية تحت مقولة الله أكبر... فقد كرهناهم جميعا مع كل إخراجهم الحقيقية المصورة التي يتفاخرون فيها بجرائمهم التي اقترفوها ليس فقط في حق البشر والانسانية وإنما في حق الدين الذي ادعوا زورا وبهتانا الدفاع عنه.

نعم عشت كل هذا مع احداث مسلسل غرابيب سود.

فمع هزيمة داعش الاخيرة في سوريا.. قررت فجأة بأن أشاهد المسلسل واحدًا تلو الآخر... شاهدته بدون ان اشعر بالوقت بدون ان تغمض لي عين أو يرمش لي جفن علي مدار ثمانية واربعين ساعة... ولم اكن ادري أنني سأصاب بكل هذا الألم والغضب.. لم أكن أتخيل أنني سأزداد كرها ونفورا لمن اسموا انفسهم بمجاهدين الدولة الاسلامية.

اعجبني المسلسل بلا شك مع ان لي عليه بعض المآخذ في الحبكة الدرامية والاخراج وبعض المشاهد المبالغ فيها... ولكن أشد ما اعجبني حقيقة هو الفيلم الوثائقي الذي جاء في الحلقة الاخيرة "ألوان الدم الخمسة" الذي وثق لاحداث المسلسل انها مستوحاه من ابطال حقيقين... قدم قصص من الواقع لأناس اصابهم اللوث العقلي والهوس الديني وعمي البصيرة فتجمعوا من شتي بقاع الأرض من مشرقها ومن مغربها... اجتمعوا علي الشر... علي القتل... علي سفك الدماء.

فرأينا فتيحة من المغرب هي وزوجها وأولادها وكيف قادتهم جميعا للهلاك من فرنسا لكندهار الي السعودية ثم الي الدولة الاسلامية... وإيمان البغا السورية أستاذة الجامعة واولادها... ابنة مؤسس جماعة الإخوان بسوريا محمد البغا... وإسلام يكن ابن العائلة الميسورة ماديا... هذا الشاب الرياضي الوسيم من القاهرة الذي استقطبوه فسافر لهم ونشر صورة علي مواقع التواصل يتفاخر بجانب الرؤوس التي قطعها... وخلود ربة المنزل السعودية التي دفعت بأولادها جميعا اللي داعش اما بعمليات انتحارية او القتال بصفوفهم او بتزويج ابنتها الصغيرة لاحد رجالهم... ومسفر القحطاني من السعودية وكيف اكتشف خداعهم وزيف إدعاءاتهم وعودته الي السعودية مرة أخري نادما... ثم اخيرا الشاب الكوري الذي لم يذكروا اسمه والذي اتي لدولة الخلافة فقط ليفجر نفسه من اجل اعلاء ما اسماه بكلمة الله.

بعد مشاهدة المسلسل اصابني الهلع لامرين:

الامر الاول... ان هؤلاء الدواعش رجالا ونساء بعد هزيمتهم في العراق وسوريا... اين سيذهبون... كيف سيعودون ببساطة الي اوطانهم بعد ان تلوثت ايديهم بدماء الالاف... كيف سيعودون وقد محيت عقولهم بافكار مجنونة ومصابون بهوس ديني لاعلاج له... انهم بالتأكيد وإن سكنوا قليلا وتظاهروا بالتوبة لكنهم سيكونون قنبلة موقوتة في اوطانهم قد تخمد لفترة ولكن ستظهر لاحقا في موجات ارهابية مدمرة... هؤلاء جميعا لايستحقون الحياة ولا يجب ان ينالوا السماح والغفران... هؤلاء يجب ان يذهبوا الي حيث ارادوا... الم يدعوا ان الموت احب اليهم من الحياة... فلنعطيه لهم.

الأمر الثاني الذي أفزعني هو أولادنا... فقد كنا سابقا نخاف علي اولادنا ممن ترك الدين واليوم نخاف علي اولادنا ممن اخذ الدين اخذة الطائر الحر ليصطاد به الطيور التي خرجت من اعشاشها ولم تعد... فقد رأيت هؤلاء الغلاظ القلوب الفاقدين لإنسانيتهم كيف يقومون بمنتهي الذكاء باستقطاب الشباب عبر مواقع التواصل والالعاب الألكترونية..

هالني ان اولادنا جميعا يقضون جزءا ليس باليسير علي تلك المواقع والالعاب... وخشيت ان يكونوا صيدا سهلا ونحن لاندري... لقد تخيلت ابني بدلا من المرة الف مرة في مكان الشاب خالد أحد أبطال المسلسل او إسلام الشاب المصري... وبكيت كما لم ابكي في حياتي... استعذت بالله من الشيطان ومن الخوف... ولكنه وجدت ذلك هو الواقع المرعب الذي لا نتخيله... ان احد من أولادنا قد يسقط فريسة لهؤلاء.

أيها السادة اهتموا بأولادكم... أهتموا باولادكم من التأثر بافكار التطرف الديني... ولتعلموا ان كل افكار الاخونجوسلفية تؤدي الي داعش... امنعوا اولادكم عن شيوخ الضلال... حذروهم من تأييد التطرف والتهليل للارهاب ومصاحبة محبي الفكر الجهادي... حذروا أولادكم من افكار التمييز والعنصرية وكراهية الآخر وتكفير المجتمع التي تأخذ الشباب لطريق لا عودة منه.

فلنربي اولادنا علي حب الله والناس... علي كره الظلم والنفور من العنف... علي عمل الخير ونبذ الشر... علي التفرقة بين الضلال والصواب... فوالله اهون علي النفس ان نري أولادنا لا يحققون احلامهم او ان يظلمون انفسهم بمعاصي قد يغفرها الله لهم من ان نراهم يسقطون بين ايدي هؤلاء ليتحولوا الي إرهابيين ويستبيحون قتل النفس التي حرم الله قتلها ويروعون الآمنين... فإن تهاونا معهم او تراخينا ولم نحسن متابعتهم وظننا انهم محصنون لأننا أحسنا تربيتهم... والله قد نصحوا فجأة علي يوم قد نجدهم وقعوا صيدا سهلا في ايدي هؤلاء... فهؤلاء هم اعداء الانسانية والدين.