الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مختار محمود يكتب: ويسألونك عن استوزار الموتى

صدى البلد

وما يضيرُكم فى استوزار مَيِّت، وتكليفه بحقيبة " النقل"، حتى تتراقصوا على جثة مِهنة تُحتضر؟ وهل هناك فارقٌ جوهرىٌّ بين وزير حىٍّ وآخرَ انتقلَ إلى الرفيق الأعلى؟ أو ليس الاهتمامُ بالموتى واستوزارُهم دليلًا على الاعتزاز بهم وتكريمهم؟ لماذا لا ترفقون بأنفسكم وبالناس من حولكم؟ ولماذا تتفننون فى جلد ذواتنا وذواتكم؟

رُبَّ ضارةٍ نافعة، كما يقول المثل القديم، فقد كشف خبرٌ زائفٌ عن استوزار ميِّت عوراتِ صناعة الإعلام فى مصر، من صحافة إلى تليفزيون، فلا أحدَ يُفكرُ ولا أحدَ يُدقِّقٌ ولا أحدَ يراجعُ، ثم نبكى ونتباكى حال مهنة كانت شامخة برموزها ورجالها.

قبل 15 عامًا، وأثناء مراجعة البروفة الأخيرة للصحيفة الورقية اليومية التى كنتُ أعملُ بها فى ذلك الوقت، التقطتْ عيناى تحقيقًا دينيًا، فاستغرقتُ فى قراءته على غير العادة، فاكتشفتُ أن المصادر الثلاثة التى استعان بهم المحرر توفاهم الله، فتدخلت لحذفه فورًا قبيل الطبع، واستبداله.

الطريف، أنه بعد إقصاء محرر التحقيق من العمل بالصحيفة، استطاع خلال فترة قياسية شراء عضوية نقابة الصحفيين ببضعة آلاف من الجنيهات من خلال إحدى الصحف "الميتة"، وقبل 3 سنوات، تبرع لحزبٍ سياسىٍّ تبرُّعًا سخيًا، ليتم ترشيحه على قوائمه فى الانتخابات النيابية، وصار برلمانيًا ملءَ السمع والبصر فى مجلس على عبد العال وشركاه

الخبرُ الذى نشرته صحيفة صغيرة نقلًا عن أحد مواقع التواصل الاجتماعى، ونقله تليفزيونيًا المذيعان الأعلى أجرًا، يعكس خللًا واضحًا، وعطبًا بارزًا، فى المنظومة الإعلامية المصرية، بتنويعاتها المختلفة، طالما عدَّدنا أسبابه ومُسبباته فى مناسبات سابقة، ولكن لا أحدَ يسمعُ أو يَهتمُّ.

هناك وجهٌ إيجابىٌّ فى هذه السقطة الصحفية والإعلامية التاريخية المأساوية، وهو أن مصر لا تنسى أبناءها، حتى لو انتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء، فالرجل الذى جاء اسمه فى الخبر الكارثى، جاءته الفرصة ليصبح وزيرًا لوزارة تقدم يد العون والمساعدة لـ "عزرائيل".

استوزارُ مَيِّت، قد يفتحُ البابَ، أمام الاستعانة بعدد كبير من "المراحيم"، فى المناصب الرفيعة، حيث أثبتتْ التجاربُ أنه ليس من المهم أن يكون المسؤول حيًَّا يُرزق، ولكن الأهم دائمًا وأبدًا هو "السيستم"

التاريخُ يؤكد أنَّ مصر دائمًا وأبدًا بارَّة بأبنائها المغدورين و تتذكرُهم بعد وفاتهم، وحدث هذا بالفعل من خلال تكريم أسماء نوابغ، لم يتم تقديرهم فى حياتهم لأسباب ومواقف سياسية وقناعات شخصية مريضة من أصحاب الحل والعقد، وبعد وفاتهم بسنوات طويلة تم منح أسمائهم أوسمة ونياشين.

فيا كلَّ يائس، ويا كلَّ بائس، ويا كلَّ قانط، ويا كلَّ عاجز.. لا تنشغلوا بتحقيق طموحاتكم وأنتم أحياء، ولكن ارحلوا فى أى وقت تشاؤون، وارقدوا فى سلام آمنين بعيدًا عن إزعاج الحياة، فسوف يتكفلُ الزمان بتحقيقها..