الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.جوزيف رامز أمين‎ يكتب: موجز عن العلاقات القبطية الاثيوبية

د.جوزيف رامز
د.جوزيف رامز

عقدت مؤخرا بمعهد الدراسات القبطية ندوة بعنوان :"نحن واثيوبيا" ...اشترك فيها بجانب ا.د.أنطون يعقوب ميخائيل كمتحدث رئيسى ,شخصى المتواضع كمتحدث عن أهمية اثيوبيا الاستراتيجية لنا ومايجب علينا فعله تجاهها , وكان مقدم الندوة أ.عاطف وهبة غبريال وهو صاحب خبرة طويلة فى العمل بالاتحاد الأفريقى من خلال المفوضية القائمة باديس أبابا,وكذا الزميلة أ.ايرينى القمص...والتى تجمع فى تخصصها بين الفن والدراسات الأفريقية ,وذلك من خلال بحث لها عن العلاقة بين الفن الاثيوبى والفن القبطى ..ألقته أثناء الندوة.

ونظرا لأهمية الندوة فقد رأيت أنه من الضرورى عرض ماجاء فى مضمونها خاصة بالنسبة للمتحدث الرئيسى الذى أراه من أكثر المتحدثين فى مصر أهمية بهذا الصدد,وأنه يعد بمثابة شاهد أمين على تطور العلاقات المصرية الاثيوبية فى فترة من أدق فتراتها أهمية وحساسية ,كما يعد المرجع الأساسى للندوة:كتاب"نحن واثيوبيا:مشوار طويل فى الزمن" د.أنطون يعقوب ميخائيل :والذى يعد من أهم ماكتب حول هذه العلاقات على الاطلاق.

يسعدنى ويشرفنى أن أرحب بكم جميعا لهذه الندوة التى أعدت استجابة لرغبة كريمة من ادارة معهد الدراسات القبطية الموقرة ,العميد والوكيل والأمين العام,ومن قسم الدراسات الأفريقية به.وموضوع الندوة كما تعلمون حول كتابى"نحن واثيوبيا...مشوار طويل فى الزمن",وهو كتاب من مائتين وأربع وعشرين صفحة ,تضيف هوامشه الكثيرة قرابة خمسين صفحة أخرى من القطع الكبير.وفترة الدراسة الى يغطيها تزيد قليلا على ستة عشر قرنا من الزمان..فهى دراسة متشعبة للبلاد الاثيوبية,ولعلاقة كنيستى البلدين التاريخية الطويلة.وبجانب تعدد جوانبها وتباين مواقفها ,فهى كثيرة المشاكل غزيرة التفاصيل,الأمور التي حفزتني على تبسيطها وتلخيصها,وأمكننى تجهيزها في ست صفحات فقط

وتنشر عبر صدى البلد على 3 مرات" وذلك بهدف التخفيف على حضراتكم ,وتركيزا لانتباهكم ,مع اتاحة الفرصة والوقت الأطول للإجابة على أسئلتكم واستفساراتكم واستيضاحتكم في نهاية الندوة...الرب يبارك ندوتنا بحضوره وسطنا كما وعدنا.

وبداية أحيى معهدنا العزيز,معهد الدراسات القبطية ,الذى تأسس في عقود تأزم العلاقات بين الكنيستين ,في عام 1954 ,وأثبت علماؤنا الذين أسسوه أن أفريقيا واثيوبيا بالذات ملء أفئدتهم وحناياهم,اذ خصصوا من الأقسام السبعة التي بدأوا بها معهدهم قسما للدراسات الأفريقية مازال قائما وعامرا ,وقسما للدراسات الاثيوبية.وشارك في العمل فيهما شخصيات متميزة مثل الدكتور:مراد كامل والدكتور زاهر رياض والأب مكارى السريانى"المتنيح الأنبا صموئيل" أسقف الخدمات لاحقا "وغيرهم ...وأحيى أيضا آباءنا الأقدمين الذين كانوا على درجة عالية من الوعى بأهمية أفريقيا واثيوبيا الدولة الثانية قدما وحضارة بأفريقيا بعد بلادهم.ولمعت أسماء ملوك مصرية فى هذا المضمار مثل:سيزوستريس الذى حفر قناة تربط النيل بالبحر الأحمر الذى شهد غزواته ورحلاته. وبيبى الثانى ومنتوحب الرابع ومنتوحب الخامس,والملكة حتشبسوت ورحلاتها البحرية المشهورة بطول سواحل القارة,وتحتمس الثالث وحور محب وغيرهم الذين سجلوا رحلاتهم البحرية ومعالم علاقاتهم على جدران المعابد.

وكانت هناك علاقات برية وصلوا بها الى منابع النيل فى وسط الهضبة الاثيوبية وتبادلوا مع شعوبها الأفكار والعادات وتركوا آثارهم من حلى الزينة والكحل والمراكب..وأخذوا عن "قبائل الأجاو:السودانية الأصل" ابداعهم الزراعى اذ أدخلوا محاصيل جديدة :كالدخن والبن وبذور الزيت والطيف,واستأنسوا الحمار وهجنوه مع الحصان للحصول على البغل وصارت للبغلة مكانة عند وجهاء الاثيوبيين.

ولاجدال فى أن توطيد علاقاتنا باثيوبيا بالذات وبكل أفريقيا مسألة حيوية وفى غاية الأهمية,لتاريخيتها التى تعود الى ألفيات ماقبل الميلاد,ولأننا أفريقيو الأصل فنحن كتابيا من مصرايم ابن حام,ثم أن مياه حياتنا افريقية مائة بالمائة و85% منها اثيوبية.وخريطة حوض النيل الشرقى الذى يضم:اثيوبيا ومعها اريتريا والسودان ومصر توضح وتؤكد جغرافيا وجيولوجيا وهيدرولوجيا أنه كيان واحد قائم بذاته بفعل الـ ,Tectonic Forces وفرض على شعوبه تأسيس وحد سياسية واقتصادية وشعبية تكاملية تحقق لهم مصالحهم وازدهارهم.

وأحيى تحديدا أنبا /سلامة الأول أول مطران أرسلته الكنيسة القبطية لرعاية الكنيسة الاثيوبية الوليدة.فمنذ وصوله "أكسوم"عام 330 صار التقليد فى اثيوبيا أن يشغل رئاسة كنيستها مطران من رهبان كنيسة الاسكندرية يرسمه بابا الاسكندرية.وهو تقليد تدعم "بقانون نيقاوى" تمسكت به الكنيسة القبطية ,ينص على"أن الحبش لايقام عليهم رئيس كهنة من علمائهم ولا باختيار منهم فى أنفسهم بل يكون تعيينه من قبل بطريرك الاسكندرية".

وقد بلغ عددهم 111 مطرانا.يحصل الواحد منهم على الجنسية الاثيوبية بمجرد عبوره الحدود الاثيوبية ,ويظل بها لايبرحها حتى نياحته ويدفن بها.وصارت ايبارشية اثيوبيا البنت الكبرى لكنيسة الاسكندرية واحتلت مكانها فى لقب البابا.كما صارت كنيسة الاسكندرية فى الذهن الجمعى الاثيوبى بمثابة الأم والنبع الصافى للروحانية الأرثوذكسية ومصدر التعليم السليم.فما أن تنيح المطران حتى يسارع الامبراطور بالرسائل والوفود والهدايا الثمينة للبابا فى مصر طلبا لمطران جديد ,وأضيفت قافلة ثانية بالهدايا للسلطان بعد دخول الاسلام مصر.

وكانت رسامتهم فى مصر حدثا فريدا فى الكنيسة,وتتم فى احتفالات كبيرة وفى جو من الفرح العام وبمشاركة من الجهات الرسمية.وكان استقبالهم فى وطنهم الجديد لايقل روعة,ويبدأ رسميا وشعبيا وقت وصولهم الى حدود البلاد وحتى يصلوا الى مشارف العاصمة فى موكب ضخم من البشر ليجدوا الامبراطور وأسرته وحرسه ورجال دولته فى استقبالهم.ويتوجه الموكب الى الكنيسة رأسا حيث يقام القداس الأول.وعند نهايته ينثر الامبراطور الذهب على رؤوس الحاضرين ويمنح أعيان دولته الرتب والألقاب.

وكان المطران هو الرجل الثانى بعد الامبراطور.وهو الرئيس الأعلى والفعلى للكنيسة ويعمل عادة دون الرجوع الى البابا.وهو المرجع الأول والأخير فى كل ما يتعلق بمسائل العقيدة ونظم الكنيسة.ورئيس محكمة الاستئناف اللاهوتية.وهو الذى يصدر قرارات الحرمان ضد من يغضب عليهم الامبراطور فيضفى بذلك على قرارات الامبراطور صيغتها الشرعية والتنفيذية .وكان مقره ملاذ المظلومين.

وصار يتوج الملوك والأباطرة من كبرى مهامه بدءا من النصف الثانى من القرن الثالث عشر.ويتضمن القسم الامبراطورى "ونتعهد بأن ندافع عن المذهب الأرثوذكسى المقدس المؤسس على عقيدة القديس مرقس السكندرى المعترف به فى كل اثيوبيا".

واستمرت العلاقات بين الكنيستين حتى نهاية القرن التاسع عشر بحلوها ومرها شأن كل العلاقات.ودأب حكماء الطرفين على علاج ما كان يطرأ بينهما من مشاكل أو خلافات فى الرأى بالرؤية وبالتفهم والتفاهم,حتى صار عدد المطارنة مائة وعشرة,أى حتى عهد أنبا متاؤس المطران العاشر بعد المائة.

ومع بداية القرن العشرين أخذ المجتمع الاثيوبى فى التخلص من مظاهر العصور الوسطى ويتجه نحو التمدن والعصرنة بتأثير التعليم المدنى الذى أدخله الامبراطور /منليك الثانى وباحتكاكه بالأجانب .

وتسارعت وتيرة العصرنة بجهود "تفرى مكونن" وهو ولى العهد ,وبعدما اعتلى العرش عام 1931 باسم"هايل سيلاسى".فقد ظهرت الصحافة وبعدها الاذاعة وعملا على تشكيل الرأى العام الاثيوبى وتحريكه وتوجيه أفكاره.ونالت الكنيسة الاثيوبية ومسألة تطويرها وقضية علاقتها بالكنيسة القبطية الأم نصيبها من هذا التطور خاصة فى الأديرة وقراها.

وبالنتيجة دخلت علاقة الكنيستين ,طوال القرن العشرين,فى محطات من الأزمات"نعرض لها فى المقال التالى",مع محاولات لايجاد حلول لها بمفاوضات مطولة ووفود سامية من الكنيستين تتنقل بين عاصمتى البلدين.

وقد غلب على مجريات هذه المفاوضات التباين الواضح بين الموقفين الاثيوبى والقبطى:الاثيوبى يعرف ما يريد ويتفدم به مجددا ويصر عليه .والقبطى يسوده التذبذب بين الرفض والقبول,واعتاده الانصياع فى نهاية المطاف للطلب الاثيوبى. وهو تصرف يشير الى عوار فى الدبلوماسية القبطية,والى غياب رؤية موضوعية ومتكاملة للموقف برمته...وله تكملة.