الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هادي المهدي يكتب : درس من اليابان ‎

هادي المهدي
هادي المهدي

في اليابان وفي أحد الأيام من شتاء عام 1954 دخل الأخ الأكبر لتورو كومان بيته حزينا حاملا معه شهادة أخيه تورو بالصف الثاني الابتدائي والتي تفيد بأنه ضعيف في تحصيل مادة الرياضيات .

حين علم الأب بالخبر لم يقم بإخراج ابنه من المدرسة والحاقه بالعمل بإحدى الورش كما لم يقم بالبحث عن مدرس خصوصي شاطر او درس خصوصي عن مدرس الفصل الذي بعدها بدوره سيعطيه درجات اعمال السنة كاملة مما يرفع من درجات الطفل او غير ذلك من الحلول التي لم نعرف بها الا في منطقتنا المتخلفة تعليميا.

لكن الأب كومان اعتكف في بيته وقتا طويلا يفكر في طريقة يستطيع بها رفع مستوى الابن تورو في الرياضيات حتى خطرت في ذهنه فكرة مفادها أن المشكلة ليست في الطفل ولا في المحتوى الذي يتم تدريسه ولكن المشكلة في منهج وآلية تدريس المحتوى وخلص الى ان مادة الرياضيات ليست بالمادة التي يمكن تدريسها في منهج واحد او استراتيجية واحدة لجميع الطلاب بل ان كل طالب يحتاج استراتيجية تناسب قدراته هو لا سيما اذا كان تحصيله ضعيفا مثل الابن تورو كومان .

ظل كومان يجرب مع ابنه كل وسيلة يتفتق عنها ذهنه وينظر في مدى جدواها حتى وصل الى طريقة أحدثت تقدما ملحوظا لم يلفت انتباه الوالد فقط بل لفت انتباه مدرسيه وزملائه ولا تتعجب اذا علمت ان الطفل عندما بلغ الصف السادس الابتدائي صار باستطاعته حل مسائل مقدمة لطلاب المرحلة الثانوية .

بعيدا عن الناحية الفنية في استراتيجيات التدريس لدى كومان فالدرس المهم ينبع من كون الطفل الذي ليس بغبي ولا بذكي والذي هو بالمناسبة ما عليه معظم الطلاب في العالم يمكن مع استراتيجيات تتناسب مع قدراته ان يتحول الي طالب فائق الذكاء .

طريقة كومان اعتمدت علي التدرج في تدريس الرياضيات للطفل بحيث يُلحق في البداية بصف دراسي أقل مرحلتين من الصف الذي يناسب قدراته بمعنى ان من بمقدوره مثلا الالتحاق بالصف الخامس يلحقونه بالصف الثالث حتى يظل عامين كاملين يعيش حالة من ارتفاع المعنويات مع تفاعله مع الاسئلة المطروحة والتي هي أقل من قدراته ما سيدفع به دفعة للامام تضعه ليس في مكانه الذي كان مناسبا له بل في مكان يعدو كثيرا هذا المكان .

"إن كان المنهج سهلا فإن الطالب سيشعر بالملل وان كان صعبا فان الطالب سيشعر بالاحباط " ، تلك هي فرضية كومان التي بني عليها امبراطوريته التعليمية التي بدأت بمكتب في اليابان عام 1958 حتى اصبحت مراكز كومان التعليمية تغطي اغلب مساحات اليابان في العام 1974 ، وهو نفس العام الذي افتتح فيه مكتب كومان بنيويورك ثم توسع كومان في المانيا وفرنسا وايطاليا وانجلترا ووصل في عام 2000 لقطر وعمان .

تقدم مراكز كومان الان خدمات تعليمية لـ 16 مليون طالب علي مستوى العالم .

توفي كومان عام 1996 وتم تحويل منزله الى متحف يرتاده الزوار ليطالعوا هذا العظمة الذهنية التي استلهمت المقولة الصينية "لا تعطني السمكة ولكن علمني كيف أصطادها".