الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: الماريونيت

صدى البلد

كان أول ظهور لعرائس الماريونيت قديما عند القدماء المصريين (الفراعنة)، فأرض مصر كانت أول مسرح يتفنن عليه لاعبي الماريونيت ويقدم العروض المختلفة، ومن بعدهم مسرح "بونراكو" باليابان، حيث أتقنوا هذا النوع من المسرح الذي أصبح إحدي أدوات التعليم والتلقين، ومن ثم الصينين، وقد ظهر مسرح الدمي في أوائل القرن الرابع عشر في تركيا والعراق، ثم انتقل بعد ذلك الي الشام ومصر ليعيد أمجاده من جديد بعد أول ظهور له علي يد الفراعنة.

وحتي بعد ظهور "القره قوز" أو الكراكوز ذلك الدمية التي تعبر عن الفن الشعبي، ولا تختلف كثيرا عن الماريونيت، فكلاهما دمية يحركها صاحب العرض كيفما يشاء ويحركها تارة هنا وتارة هناك ويستخدمها في سياق معين علي لسان ذلك الجماد الخشبي الذي لا ينطق ولا يسمع أو يري، وإذا عودنا الي مشاهد الكراكوز في بعض أفلام السينما المصرية سنجدها تعبر عن شخصيات بعينها قد تتكرر دائما، وعلي سبيل المثال فيلم الزوجة الثانية ومشهد العرض المسرحي الشعبي البسيط للعمدة وزوجته وأحد افراد البلدة الصغيرة، واحيانا يجسد الكراكوز شخصية اللص أو القاضي أو التاجر أو المريض، وجميعهم قصص تظهر أحداث مثيرة للضحك ولكن في مضمونها تحمل مواعظ وحكم، وتحكي عن قصص حقيقية.

ودعونا ننتقل من مسرح الماريونيت الي المسرح الكبير، ومن دمية وكراكوز يتحرك كل أجزائهما بلمسة صغيرة من أنامل ممسك الدمية لتسيطر عليها من أعلى المسرح فتجعلها تترنح ذات اليمين وذات اليسار، وهو نفس الحال للبعض، الذي لا أري غير إنهم أداة أو وسيط لعرض مسرحي أو فقرة تمثيلية تعرض علي خشبة المسرح وجميعنا يشاهد، منا من يستنفر لما يراه من نفاق وتضليل وتزييف للحقائق أو الحض علي المؤامرات والفتن واستهداف الشعوب، وآخر يستمتع بالمشاهدة حد الاستمتاع، فالبعض منا دون وعي وإدراك يتحرك بأيدي خفية لا يراها أحد لتنفيذ مهمة معينة قد يكون هو نفسه لا يعلم عن خطورتها شيء، وخيوط تتحرك لتهدم لا لتبنى، وأخري تلعب دور الوسيط إيمانا منها بأن هذا هو الصالح.

وكما في عروض مسرح العرائس يختبىء "المخرج" تحت طاولة ويحرك الدّمى بالخيوط الممدودة من أسفلها التي تحمل العرائس، والمخرج في العرض الحقيقي الذي نشهده يختبيء أيضا ولا يعلن عن نفسه إلا بعد إنتهاء العرض وغلق الستارة وتسقيف الجماهير.

فكم من ماريونيت نراه في حياتنا في كل مكان في المجتمع، وكم من مسارح مازال العرض فيها مستمر، وكم من مخرج يتقن اللعبة ويحرك الدمية كيفما يحب، ولعل شاشات التلفاز هي الأكثر استخداما لتلك العروض وبكفاءة، وكم من مشاهد يعرف النهاية وغيره يستمتع "بالفٌرجة" وهو مقتنع بأن العرض مثير ومبدع.

فالبعض يخدم مصالحه، والآخر يٌستخدم من أجل مصالح المُخرج، دون ان يعلم أنه دمية، ونوع يلعب دور الوسيط بإتفاق مسبق، وأكثر العروض علي الساحة السياسية، في مسرح كبير يلعب عليه الجميع ويمثل، الكل يبدع، الكل يتقن، وفِي النهاية الجميع يسقف لأحسن دور، وفي المسرح السياسي، كل الطرق والوسائل مباحة الغير مشروعة قبل المشروعة، والغرب واصحاب المصالح كل منهم يشجع "اللعبة الحلوة".

حتي السياسيون بشيء من الفهلوة واللعب بالبيض والحجر، استطاعوا ان يقفزوا الى المناصب العليا، ومن ثم يتفننوا في التنكيل بخصومهم عن طريق دمي الماريونيت التي سخروها ووجهوها نحو مصالحهم، حتي الانحياز للمصالح كان يجب ان يكون بطريقة رشيدة وعاقلة وليست سافرة وفجة وممجوجة، كما يحدث .

وقد امتزجت اللعبة بالإعلام ليدخل مسرح الماريونيت مع العرض السياسي ويصوب سهامه نحو أهدافه، وايضًا وسائل التواصل الاجتماعي لم تخلو من العرض، بل لعبت دورًا كبيرًا فى تسليط الضوء على مساحات مهمة فى العمل السياسى كانت موجودة طوال الوقت، لكن لم نكن نراها عن قرب، ولعبت دور الوسيط المحرض وأحيانا الخادم لمصالح معينة ولأشخاص بعينها، والمسرح السياسي شهد جميع أنواع المقامرة التي قد تخيب أو تصيب، ومنذ قديم الزمان والجميع يلعب بالماريونيت، وقد رأينا حكاما وسلاطين عبر التاريخ قامروا على بلدانهم وشعوبهم، راهنوا عليها وخسروا وسقطت بلدانهم وشعوبهم معهم من هتلر وحتي ملوك ورؤساء العرب.

كما أن الذي يحكم عرض الماريونيت الحقيقي هو المصلحة، فالمصلحة هي المحرك الأساس للدول الكبرى، وهي التي تحدد اتجاه أي دولة إما للحرب أو للسلام، وعلي سبيل المثال أمريكا التي تتآمر علي الدول العربية دولة تلو الآخري في عرض مسرحي قذر بدايةً من إسقاط العراق، الي لييبا وسوريا، ومن اجل مساعدة اسرائيل في تحقيق مشروعها نحو الشرق فهي الأقرب إليها، بايدي تلك الشعوب العربية التي يلعب بعض ابناءوها دور الوسيط، دور "الماريونيت" في مؤامرة علي بلدانهم لصالح الغرب، وأكثر مثال ما تتعرض له مصر من هجمات شرسة عبر شاشات تركيا بتمويل قطري وبأيدي مصريين.

ولكن في النهاية.. كل شيء معرض للتبدل والتغير في أي لحظة وبدون سابق إنذار حتى الخطط الإستراتيجية والتكتيك والرؤية السياسية الراسخة، ولا سيما المسرح وتغيير الأشخاص والأدوار مهما كانت اللباقة والكياسة التي يتمتع بها شخصية الماريونيت، فالسيناريو، كما هو في يد المُخرج يغير فيه كما يريد، إلا أن الأدوار ستتبدل وستتغير قواعد اللعبة وينتهي دور العرائس و"الستارة تنزل"، وحتى إن دام العرض طويلا سينتصر للمصلحة العامة والوطن بعيدًا عن المصالح والأهواء الشخصية التي لا ترى إلا أصحابها، وسيتقن المتفرج يومًا أن ما يشاهده هو عرض مسرحي لدمي خشبية تٌستخدم ولا تستخدِم، جماد لا يعقل ولا يدرك لا قيمة له، وسيسقط عرض الماريونيت من أيدي المخرج مجددًا.