الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ناصر خليفة يكتب: مشاهد من رحلة يوسف الصديق

صدى البلد

فلاش باك :  من السهل ان يتغير الفرد سريعا من الأسوأ للأحسن أو العكس، فقد يتغير مع موقف معين، أو مع حدث شخصي، لكن يبدو أن "الجماعة" لا تتغير أفكارهم سريعا وربما لا تتغير أبدا أيا كانت طبيعة الأفكار والأهداف..

هكذا كان إخوة النبي يوسف الصديق لم يتغير عنصر الكذب عندهم، ومازالت نواياهم الخبيثة جاثمة على طبائعهم، أكاذيبهم تعج بها الدنيا حتى وقتنا المعاصر ! لم يكفهم ما فعلوه بيوسف"أخيهم" عندنا حقدوا عليه وغاروا منه غيرة عمياء، فالقوه في البئر السحيق ولفقوا للذئب البريء تهمة هو بريء منها، وجاءوا بدم كذب

ها هم يعودون من جديد فبعد مرور السنين لم تحن قلوبهم ولم يتراجعوا عن حيلهم وأكاذيبهم وجاهليتهم .. سلطت ضوء حروفي على مقطع من القصة "سيناريو" من مشهدين رأيت استحقاقهم بتسليط الضوء على الموقفين ورصدهما عن قرب؛ حيلة يوسف لإبقاء أخيه بمصر، ورد فعل يعقوب عندما عادوا بدون ابنه الذي يحبه كما حبه ليوسف وحزنه عليه..

المشهد الأول ..

عندما أراد الصديق أن يأخذ أخاه عنده ليبلغه عن نفسه ويكشف له حقيقة وجوده، وأنه مازال على قيد الحياة، اختلق يوسف قصة السرقة فكان رد إخوته بكل تبجح وافتراء ولغط وكفر بكل مشاعر الأخوة والانسانية قالوا :" إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ " فما كان من يوسف إلا أن سرها في نفسه لتكتمل خطته فهو الحفيظ العليم "فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ" لكنه قَالَ لهم : "أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ" .. عمت الفوضى تفكيرهم فاصبحوا في حيرة من أمرهم، ماذا يفعلون ؟ ماذا يقررون؟ كل ذلك نتيجة خوفهم من غضب أبيهم "يعقوب" عليهم، ولم يكن الغضب الأول فما أكثر غضبه من أفعالهم الشريرة .. عرضوا عليه ان يأخذ منهم رجلا آخر بديلا عن أخيه معللين ذلك بشيخوخة أبيهم ! فقَالُوا : "يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " الآن يخاطبونه بالعزيز ويصفونه بأنه من المحسنين، وهم غافلون انه هو نفسه الذي فعلوا فيه ما فعلوا وقبل قليل اتهموه بأنه سارق مثل أخيه ! ظلم ونفاق هذا ما طبع على قلوبهم ..

رفض الصديق لأخيه بديلا ، وأراد أن يعطيهم درسا في الأمانة والعدل والخوف من الله فقال لهم : " مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ " كرروا محاولة إقناعه لكن دون جدوى: 

"فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا " .. ابتعدوا قليلا ليتناقشوا فيما بينهم فقال كبيرهم معنفا لهم : " أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" ..كان أعقلهم واطيبهم بعد يوسف، فأشار عليهم ناصحا :"ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ "

المشهد الثاني ..

غادروا مصر عادوا لأبيهم .. 

وصلوا عنده وقصوا عليه ما حدث معهم، ولأنهم يعرفون أن أبيهم مرتاب منهم وغير مصدق لهم قالوا : لو لم تكن مصدقا لنا " اسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" بالطبع لم يصدقهم لأنه يعرف اكاذيبهم ونواياهم الخبيثة وإن كانوا هذه المرة صادقين لكن النبي يعقوب سيطر عليه الحزن والألم منذ اختفاء يوسف بسبب فعلة إخوته الظالمين .. نظر إليهم وهو غير راغب في رؤيتهم لما بقلبه من كراهية لافعالهم وتفكيرهم ثم قَالَ وهو النبي شديد الإيمان بالله : "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ".
 
وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ : "يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ" ثم "ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" ولأنهم مازالوا يحملون هذه النفس الأمارة بالسوء والمحملة بالحقد والعداء ليوسف الصديق، قَالُوا بكل تبجح وقسوة قلب : تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" ! ولأن الأب يعقوب يائس منهم ولا ينتظر منهم شفقة ولا تعاطفا، لانه يعرف ما بهم من قسوة وأن احاسيسهم متبلدة ومشاعرهم جافة قَالَ متجاهلا لهم : إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .. حقا الشكوى لغير الله مذلة حتى للابناء الظالمين العاقين ..

"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "