الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 7

د. أحمد الصاوي يكتب:
د. أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 7

في الدراسات التي تدور حول سيرة النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – وخاصة في الغرب الأوروبي والأمريكي والتي تتسرب بالعلمية وتدّعي المنهجية يُفتَح في العادة ملف حرج وحسّاس، إنه قصة يهود بني قريظة الذي يستخدم للهجوم على الإسلام من الملحدين أو الهجوم على التراث من قِبَل العلمانيين ، خاصةً مع تشدق البعض بالقصة المشهورة في بني قريظة ، على الرغم من أن سندها يعود إلى سيرة بن إسحاق والذي نقل القصة من يهود بني قريظة أنفسهم ‘ ومعلوم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم !
رحمة للعالمين وذلك بنص الآية ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” .

ومع التأمل لكل كتب السيرة التي تناولت شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، سنجد أن الرسول سيدنا جابر بن عبدالله رضى ألله عنه لم يقاتل إلا حينما يقاتل.

بل إن الرسول عفا عن كل أهل مكة بعد اضطهادهم له وجعلهم طلقاء لكن كيف يمكن توفيق ذلك مع قصة الرسول و بني قريظة ؟

ـ قصة ما جرى في بني قريظة
تتلخص قصة بني قريظة كما في سيرة بن إسحاق والتي قامت عليها كل كتب السير واستند إليها المستشرقون والعلمانيون والملحدون ، أنه بعد غزوة الأحزاب وثبوت خيانة يهود بني قريظة جرى الأمر بقتالهم فتمت محاصرتهم ولما طال عليهم الحصار عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ليخرجوا إلى أذرعات بالشام تاركين وراءهم ما يملكون ، ورفض صلى الله عليه وسلم إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط ، وبالفعل استسلم يهود بني قريظة ، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوكل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس والذي كان حليفًا قديمًا لبني قريظة ، ” .

فلما انتهى سعد إلى رسول الله والمسلمين، قال رسول الله “قوموا إلى سيدكم فأنزلوه”، فقال رسول الله “احكم فيهم”، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مُقاتِلتُهم وأن تُسبى ذراريُّهم وأن تُقسم أموالهم، فقال رسول الله “لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله”، فأمر رسول الله أن تكون النساء والذرية في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار وأمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد، ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم أمر بقتل كل من أنبت، فبعث إليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وكان فيهم عدو الله حُييّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم وهم 600 أو 700، وقيل: إنهم كانوا من 800 إلى 900.

ـ حقيقة الرواية بميزان “الشرع” و “النقل” و “العقل”
والنظر لتلك الرواية ، يجعلها غير مستقيمة أو صحيحة لا عقلًا ولا شرعًا .
أولا من الناحية الشرعية النقلية : بمقاييس علم الجرح والتعديل فإن بن إسحاق روى القصة عن اليهود وأخذها منهم حيث رواية بن إسحاق ضعيفة السند بكل طرقها؛ لاحتوائها على مدلسين أو مجهولين أو انقطاعًا كما أن سندها يهود من بني قريظة كعطية القرظي، والمسور بن رفاعة القرظي، وثعلبة بن أبي مالك القرظي .
وقد أنكر عليه الإمام مالك بن أنس ذلك ـ كما ورد في سير أعلام النبلاء ـ تتبعه للسير والغزوات ونقلها عن اليهود ، بل إن الإمام أحمد بن حنبل أنكر عليه ذلك أيضا وأنه لا يبالي عمن يأخذ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلبي وغيره فهو يقصد ابن اسحاق ليس بحجة في السنن– فمقتلة بني قريظة – رواها قرظيون، مِمَن أسلموا بعد ذلك، لا بأس! هذا حسن، هم أسلموا، ولكنهم سلاليًا هم يهود ومن أحفاد بني قريظة، وبعضهم كان شاهد عيان، مثل عطية القرظي، الذي يقول وكُشِفت، فوجدوني لم أُنبِت، فخُلي سبيلي، أليس حريًا بنا بحس تاريخي وبحس نقدي أن نُشكِّك في روايات هؤلاء ومروياتهم؟ 
 
ومن الروايات الصحيحة المتصلة التي تبين عدم صدق هذه الروايا ت ما رواها أحمد بن حميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 هـ في كتابه الأموال حيث قال ” ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” غَدَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَضَى بِأَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ ، وَتُقْسَمَ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلا ، إِلا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْوَفَاءِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْغَدْرِ فَلِذَلِكَ نَجَا . وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ إِلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، فَأَعْتَقَهُ “

فما رواه ( بن زنجويه ) بسند مرسل رواته ثقات أن عدد القتلى كان 40 فقط ، وهو ما يتفق مع أن الحكم كان على المقاتلة ، ونفس الأثر ورد لكن من رواية أبي عُبيد القاسم بن سلّام، الإمام الثقة الجليل، هذا الإمام روى في كتاب الأموال له أيضًا –
واذا نظرنا إلى القران الكريم فالآية الكريمة في سورة الأحزاب والتي جاءت عن عقاب الله للخائنين من اليهود لم تنص على سبي النساء ! ، فقد نصت الآية على الحرب وقتل الخونة وكسب الأرض والمال وقتل المحاربين منهم وأسر المهزومين منهم دون قتلهم .

حيث قال الله تعالى
” وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا * )

فإذا دققنا النظر في الآية القرآنية لوجدنا أن تقديم المعمول (فريقا) على العامل (تقتلون ) تدل على أن القتل ليس هو الأصل عندنا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن المقتولين فئة محددة ومعينة ومعروفة للجميع وهم أئمة الكفر كما قال ربنا ( فقاتلوا أئمة الكفر ) وهم الذين ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى للقضاء على الدولة وهذا ما أكده (مونتجمري وات) أن خطة بني قريظة لو نجحت في التحالف مع الأحزاب بعد إقناع حي بن أخطب لكعب بن أسد سيد بني قريظة بجريمة الخيانة وإدخال حوالي ألفي مقاتل من جيش العدو من جنوب المدينة لتم القضاء على الدولة الإسلامية ، لكن الرسول بحكمته – عليه السلام -، بذكائه، وبحُسن تدبيره العسكري ماذا فعل؟ لما سمع بهذا أرسل خمسمائة مُقاتِل إلى المدينة، من الذين كانوا لدى الخندق، أرسلهم إلى المدينة وجعلوا يُكبِّرون في أنحاء المدينة، فعلم القرظيون بأن في المدينة مئات وربما أكثر من مئات من المُقاتِلين، فلم تنجح خُطتهم، وإلا كانوا عازمين على أن يفعلوا ذلك وأن يستأصلوا شأفة المُسلِمين ، هؤلاء الخونة كان جزاؤهم القتل وقد حاول ابن اسحاق ذكر أسماء هؤلاء الخونة وكذا ابن هشام فلم يذكروا منهم سوى سبعة عشر رجلا هذا يدل على أن المقتولين كانوا رؤوس الكفر. 
 
ثانيا : الأدلة العقلية : .
أن الروايات المذكورة عند ابن اسحاق وذكرها أصحاب السنن وابن هشام عليها بعض المآخذ العقلية منها :
هل يتسع بيت عندئذ لـ 700 أو 600 أو حتى 400 شخصًا؟ كما تذكر الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل المقاتلة في بيت أسامة بن زيد ، وجعل الأطفال والنساء وغيرهم في بين بنت الحارث النجارية فيا تري كم يتسع بيتان من بيوت المسلمين لعدد سوى سبعة عشر إلى أربعين من المقاتلة ، والاخر لنفس العدد أو يزيد قليلا من أهل هؤلاء الخونة ممن ليسوا من رؤس الخيانة!
وأي منطق يجعل النبي عليه السلام يدفن مئات في سوق المدينة حيث يتسوق الناس جوار جثث متعفنة؟!
وما الحاجة لحفر خنادق رغم وجود خنادق مازالت محفورة حول المدينة؟!
ولماذا أصلًا يقتادوا مئات بل آلاف عبر طريق طويل ولم يقتلوهم في مكانهم؟!

وكيف يستطيع اثنان ذبح مئات البشر؟ ، فقد ذكر الواقدي أن عليّا والزُبير هما اللذان توليا ذلك، وقتلوهم أو قتلاهم في يوم واحد أو في ثلاثة أيام. بصدد هذا نتساءل هل يُمكِن لبشر – أيًا كان هذا البشر أن يقتل هذا العدد المزعوم بل يدل أن المقتولين هم رؤوس الخيانة ما بين سبعة عشر إلى أربعين خائنا ، ، ثم لو قُتِل مثل هذا العدد الكبير ماذا كان سيكون ردة فعل يهود المدينة بالحري سيتجه بعضهم إلى الفرار ومُغادَرة المدينة إلى أي صقع من الأصقاع لكن التاريخ يُحدِّثنا أن يهود المدينة لم تبدر منهم أي بادرة وكان هذا محل تعجب ( مونتجمري وات ) ، بل يُحدِّثنا الواقدي –– في المغازي أن عشرة من يهود المدينة حين ذهب النبي في السنة السابعة إلى خيبر بعد بني قريظة ذهبوا معه يُقاتِلون ضد يهود خيبر، فكانوا مواطنين يؤمنونا بالمواطنة ولهم جميع الحقوق والواجبات ، أما من يرتكب جريمة الخيانة العظمى للدولة ، ويساعد الأعداء في دخول أراضيها وطعن جيشها من الخلف فهذا يستحق القتل في كل دساتير العالم ، ولكن النبي عليه السلام فرق بين المقاتلين كما في صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قتل المقاتلة ‘ وبين النساء والأطفال ومن لم يشترك في القتال ولكنهم ساعدوا في هذه العملية فكان جزاؤهم الأسر والسبي لا القتل لنهي النبي عليه السلام عن قتل النساء والأطفال وغيرهم ممن كانوا في أرض المعركة ، أما من ليسوا في أرض المعركة فلا يجوز أسرهم أو سبيهم ، ومن ثم فإننا نرفض تسمية ما حدث لبني قريظة إبادة كما يكتب البعض أو تطهير عرقي كما يدعي البعض فلو كان ذلك تطهير عرقي كما يدعي المستشرقون والعلمانيون لأباد الأخضر واليابس والكبير والصغير والرجال والنساء والأطفال والشيوخ ولكن لم يتم إلا معاقبة المقاتلة من روؤس الخيانة فقط لم يتعدى عددهم ما بين سبعة عشر إلى أربعين مقاتل وها هو (الفريد هيوم ) المفكر الإنجليزي قام بعملية إسقاط لو كان اليهود مكان محمد ماذا سيفعلوا طبقا لتعاليم التوراة كما في سفر التثنية ققتل الذكور بحد السيف والنساء والأطفال والبهائم غنيمة ‘ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بل قتل رؤوس الكفر فقط الذين ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى وترك ما سواهم.