الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ناصر خليفة يكتب: ثقافات سلبية في زمن مضطرب

صدى البلد

"كله بالفلوس بيمشي"!
كثيرا ما تتردد على ألسنة عامة الناس في بلادنا العربية "كل حسب لهجته وطريقة كلامه" في أماكن عديدة في البدو والحضر في الريف والمدينة ؛ في الشارع في الانتظار في الطوابير في المقاهي في المواصلات العامة والخاصة وفي كل الأوساط ولا فرق في طريقة تداولها بين مثقف وجاهل بين موظف قطاع عام أو قطاع خاص، عندما يكون الحديث عن قضاء مصلحة خدمية أو في حال وقوع أحدهم في مشكلة ما متعلقة بجهة حكومية ! فسريعا ما يقال : "يا عم كله بالفلوس بيمشي " " بالفلوس تمشي مصلحتك " " ارشو تشفو " " ادهن السير " "خليك مفَتَح يا عمنا " ثقافة سلبية تحولت إلى سلوك يومي حتى تكرس في العقلية المجتمعية مبدأ : "أن كل المعاملات المتعلقة بالجهات الحكومية وغير الحكومية لا تُقضى إلا بالرشوة أو الواسطة ! " على النحو الذي أصبحت الأفعال المخالفة للقانون كأنها تصرفات طبيعية وعادية وسهلة وفي متناول الجميع بل وتشير إلى شطارة وفهلوة صاحبها سواء كان راشي أو مرتشي ! ويخلقون لك من الأسباب والحجج ما يجعلك تكاد تتعاطف معهم ! لكن يظل كل ذلك مخالفا للقانون وللعرف بل ومن القضايا المخلة بالشرف وخيانة للأمانة ..

هذه الثقافة المشينة خلقت عقيدة في عقل ووجدان الناس لتؤكد لديهم أن كل شيء بالفلوس ؛ وظيفة بالفلوس، ملف قضية ، رخصة مرور، بلدية، مباني بالفلوس، مصلحة خاصة بالفلوس، شهادات مضروبة بالفلوس، اجازات بدون مبرر قانوني بالفلوس، مناقصات عطاءات مزادات بالفلوس،نهب المال العام بالفلوس، توقيع المدير العام وختم النسر بالفلوس، تسهيل قروض بالفلوس، أصوات انتخابية بالفلوس ،، كله بالفلوس والمعارف والعلاقات والتوصيات !، ولا أحد توقف لحظة وتسائل أهذا حرام أم حلال ؟! -إلا من رحم ربي- ، لكنها تظل ثقافة مخجلة طابعة على اسماعنا وأبصارنا ! ثقافة مخلة بأداب الأمانة والعدل والمساواة، ثقافة دعمت لعقيدة الرشوة والمحسوبية وتدني النفوس والغش والتلاعب بمصالح وحقوق الآخرين !.

فكم من غلابة يُظلمون، وكم من حقوق تضيع، وكم من فساد يستشري في المجتمع حتى النخاع، ثقافة "كله بيمشي يا باشا " شجعت على التكاسل والنوم في العسل والكسل ، ثقافة الإهمال والاستهتار واللامبالاة والاتكالية ، ثم الأنانية وتقديم المصلحة الشخصية فوق كل شيء لتخلق ظاهرة مقيتة تحت شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" وكأن هذا الطوفان لن يصيبه ! .. يسرق السارق ويرتشي المرتشي ويُفسد المفسد ويختلس المختلس وقلوبهم جميعا مطمئنة، فمهما حصل سوف يخرجون منها كخروج الشعرة من العجين "شغل على نضافة يا باشتنا ".. ومن أمن العقوبة أساء الأدب ! وعن ذلك حدِث ولا حرج، لأنها كارثة أودت بحياة تقدم الشعوب وضيعت الأمانات، وعزلت ملفات التنمية الاخلاقية والإنسانية لحين إشعار آخر .