الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التقارب المصري الصيني ضد واشنطن


تأتى الخلفية الأكاديمية للباحثة المصرية كمتخصصة فى الشأن الصينى، وفهمها لطريقة عمل وخبرة الصينيين فى التعامل مع الأجندات الدولية - نظرًا لقرب الباحثة من الجانب الرسمى والأكاديمى الصينى - لذا، ربما جاء عنوان هذا المقال - الذى أعترف أنه ربما لن يكون مفهومًا للبعض منكم - إلا أن ما لفت نظر الباحثة هو ما أعلنه كبير مسؤولى البيت الأبيض للشئون الآسيوية "مات بوتينجر" Matt Pottinger فى 2 أبريل الماضى، بأن الولايات المتحدة لن ترسل مسؤولين رفيعى المستوى لحضور القمة الصينية الثانية "حزام واحد وطريق واحد" (OBOR، والمعروفة أيضًا بإسم الحزام والطريق) فى بكين هذا الشهر، وتأتى عدم المشاركة الأمريكية بوفد رفيع المستوى فى ظل تأكيد كبير الدبلوماسيين الصينيين "يانغ جيتشى" Yang Jiechi أن حوالى 40 من القادة الأجانب سيشاركون فى القمة المقرر عقدها فى بكين فى أواخر أبريل، وقد عُقدت القمة الأولى فى مايو 2017 وحضرها "مات بوتينجر" شخصيًا كممثل من البيت الأبيض لحضورها.

ويأتى الرفض الأمريكى للمشاركة الكبيرة فى هذا الحدث الدولى الهام الذى تتبناه حكومة بكين كنتيجة لمزاعم واشنطن على لسان "روبرت بالادينو" Robert Palladino المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية ردًا على سؤال وجه له بشأن مخاوف واشنطن من نهج بكين بشأن ممارسات التمويل غير الشفافة من قبل حكومة بكين، فضلًا عن سوء الإدارة، وتجاهل القواعد والمعايير المقبولة دوليًا والتى تقوض العديد من المعايير والمبادئ التى تعتمد عليها واشنطن لتعزيز التنمية المستدامة والشاملة، والحفاظ على الإستقرار والقواعد على أساس النظام. مع تأكيد "بالادينو" بأنه: "لقد طالبنا الصين مرارًا وتكرارًا بمعالجة هذه المخاوف".

وفى الوقت ذاته، جاءت التأكيدات الأمريكية فى مجملها بأن واشنطن تفكر فعليًا فى إرسال موظف من المستوى الأدنى من السفارة الأمريكية لمراقبة وتدوين الملاحظات فى مؤتمر الحزام والطريق بنسخته الثانية، ولكن ليس للمشاركة، على الرغم من عدم إتخاذ قرار نهائى بعد، وفقًا لتصريحات الخارجية الأمريكية كما راقبتها الباحثة المصرية بدقة شديدة.

وتأتى عدم المشاركة الأمريكية فى مبادرة الحزام والطريق OBOR والتى طرحها الزعيم الصينى "شى جين بينغ" وسط إتهامات أمريكية مباشرة من واشنطن، التى تعتبرها وسيلة لنشر النفوذ الصينى فى الخارج وتثبيط البلدان التى لديها ديون غير مستدامة من خلال مشاريع ممولة صينية غير شفافة، ويأتى ذلك وسط مواصلة أكبر مجموعة ضغط رجال أعمال أمريكية على إدارة "ترامب" لإنهاء تلك الخلافات مع بكين.

كما إنتقدت الولايات المتحدة بشكل خاص قرار إيطاليا بالدخول فى المبادرة الصينية هذا الشهر، أثناء زيارة الرئيس "شى" لروما، وهى الزيارة الأولى له لدولة من مجموعة السبع. ويأتى ذلك وسط تأكيد أقرب حلفاء الصين أنهم سيحضرون القمة، بمن فيهم الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين"، ورئيس الوزراء الباكستانى "عمران خان"، والرئيس الفلبينى "رودريغو دوترتى"، ورئيس الوزراء الكمبودى "هون سن".

ومن هنا، فإن الرئيس "عبد الفتاح السيسى" فى إطار توجهه نحو الشرق، وتحديدًا العملاق الآسيوى الأصفر الصينى، وكما شاهدت الباحثة فيديو حقيقى للرئيس السيسى منذ فترة، تحدث فيه صراحةً - وبلا مواربة - من أنه رجل ذو خلفية عسكرية مخابراتية وليس دبلوماسية، نتيجة لعمله لسنوات طويلة داخل مبنى جهاز المخابرات الحربية المصرية، ومن هنا، فإن الخلفية العسكرية للرئيس "السيسى" تدفعنى بأن أطالبه كباحثة مصرية متخصصة فى الشأن الصينى، بإستغلال الموقف المتوتر بين واشنطن وبكين إزاء تلك القمة، كالآتى:


على الرئيس "السيسى" أن يلعب من أجل تغير ملامح القوى العالمية مع بكين على أثر الخلاف بين بكين وواشنطن حول مبادرة الحزام والطريق وإنضمام مصر لها، وأن يواصل "السيسى" مشاوراته مع الرئيس "شى" من أجل تنسيق رؤاهما الجريئة لإقامة نظامٍ عالميٍ جديدٍ، يُحتمل أن يعيد تشكيل مسار القرن الحادى والعشرين، أو يطيح بكل شىء.

أن يسعى "السيسى" مع "شى" من أجل تفكيك نظام عالمى صنعته أمريكا، وهو ما علمته الباحثة المصرية شخصيًا من أحد الأكاديميين الصينيين بشأن التقارب بين الصين وحلفاؤها، وعلى رأسهم مصر لتفكيك هذا النظام العالمى المهيمن.

لابد أن يستفيد الرئيس "السيسى" من التنافس العسكرى والصراع الإقتصادى المفتوح بين بكين وواشنطن لفرض الإرداة والرؤية المصرية نحو مزيد من جذب الإستثمارات الصينية إلى القاهرة. خاصةً، وسط تضاؤل نفوذ واشنطن على الصعيد العالمى، الأمر الذى ساهمت إدارة (ترامب) فى الحث عليه، وربما ساعدت على تسريعه.

 أطالب "السيسى" من الإستفادة من العمق الآسيوى لمصر فى (سيناء) للإستفادة من العضوية الصينية فى عدد كبير من المبادرات الإقتصادية الكبرى كمجموعة دول العشرين والبريكس والآسيان وبوآو، وغيرها، وذلك من أجل أن تطلب مصر صراحةً من حليفتها الصين بأن تسهل إنضمام مصر إقتصاديًا لتلك المبادرات الصينية لنقل مصر لآفاق إقتصادية أفضل.

على الرئيس "السيسى" أن يستفيد جيدًا من عضوية مصر فى البنك الآسيوى للإستثمار فى البنية التحتية الذى يخضع لسيطرة الصين ويبلغ عدد أعضائه حوالى 56 دولة، بالإضافة إلى رأس مال كبير يصل إلى 100 مليار دولار، فى الوقت الذى أطلقت فيه بكين صندوقها الخاص بطريق الحرير برأس مال يصل إلى 40 مليار دولار من أجل مشاريع رأس المال الخاصة، وذلك من أجل ضخ المزيد من الإستثمارات إلى مصر، بعيدًا عن الضغوط الأمريكية وإشتراطات المؤسسات التمويلية والنقدية الدولية.


ومن هنا تخلص الباحثة، إلى مقولة خطيرة تعلمتها من المؤرخة (جويا تشاترجى) من جامعة كامبريدج البريطانية والتى أشارت فيها إلى أنه "بالإضافة إلى أساسيات القوة العسكرية والإقتصادية، فإن كل إمبراطورية ناجحة، ينبغى أن تضع خطابًا عالميًا وشاملًا، لكى تكتسب الدعم من الدول التابعة فى العالم وقادتها".... وتعتقد الباحثة المصرية، أن تلك المقولة تنطبق تمامًا على النزاع القائم بين واشنطن وبكين فى عهد الرئيسين "ترامب" و "شى"، وفى ظل وجود دعم ملحوظ من الرئيس "السيسى" لنظيره الصينى "شى" فى إطار مبادرة الحزام والطريق. فخلال فترة وجيزة من دخول "ترامب" إلى المكتب البيضاوى، شهد العالم خصومة فعلية حادة بين تبنى الرئيس "شى" لشكل جديد من التعاون العالمى، فى مواجهة "ترامب" ونظريته "القومية الإقتصادية" التى ترفض النهج التعاونى الصينى، وعلى رأسها مبادرة الحزام والطريق.

وفى هذه العملية، يبدو أن البشرية على أعتاب لحظة تاريخية نادرة عندما تتزامن وجود القيادة الوطنية لكلًا من "شى" و "ترامب" مع الظروف العالمية الراهنة ليخلقا إستهلالة لتحولٍ رئيسى فى طبيعة النظام العالمى، وهو ما يجب أن يستغله الرئيس "السيسى" جيدًا من أجل خلق فرص أفضل للجانب المصرى، فيما يعرف بتعبير ختامى للباحثة المصرية بــ "تأثير الدور القيادى للرؤساء فى إعادة تشكيل النظام العالمى" وفق أسس ومعايير جديدة يجب أن يستفاد منها الجميع.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط