الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: جميعهم أفلسوا

صدى البلد

كلمة إفلاس غالبًا ما تُفهم بأنها تعني الإفلاس الماديّ، ويا ليتَ هذا ما يواجهنا فحسب، ما لاحظته خلال السنوات القليلة الماضية من خلال متابعة تكاد تكون واضحة للجميع اننا نتعرض الي إفلاس فكري أو بمعني أدق تعري فكري ويؤسفني ان اقول أننا امام إفلاس سياسي وإعلامي فج يحاط بِنَا وينتشر كالسرطان الذي يتفشي في جسد المجتمع، وجميعنا ينتابه شعور بالركود والصمت العجيب جراء ما يشاهده أو يسمعه واللامبالاة هي الصفة السائدة وتحولنا الي مشاهدين لمحتوي غير هادف لا يستحق التأمل والمشاهدة، ذلك الإفلاس الذي سيأخذنا الي الغرق رويدًا رويدًا نتيجة الحُمولة الزائدة التي تفوق طاقتنا وتمنعنا من الوصول إلى برّ الأمان.

حتي الإفلاس الاعلامي جاء انعكاسًا لحالة الإفلاس السياسي ممن يدعون أنفسهم ‬بإعلاميين‭ ‬ويحملون‭ ‬محتوى‭ ‬فارغ‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬ويستعرضون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعبر عن مصلحة المواطن، والإعلام الآن يشهد حالة من التوترات ولا يقدم أي محتوي جيد بسبب سطحية الموضوعات التي يناقشها يوميا ولم يبحث عن هموم ومشاكل المواطنين الكثيرة التي من المفترض أنه ظهر عبر شاشات التلفزيون يعرضها ويبحث عنها، بل اصبح ضيوف البرامج التليفزيونية من هم علي شاكلة "كايا وشطة" لجذب أكبر عدد من المشاهدين، إفلاس بمعني الكلمة، فلم يكن لدي مقدمي البرامج مادة تناقش أو محتوي يستحق المشاهدة، وانا باعتباري مشاهد فقد عزفت عن مشاهدة العديد من البرامج التي تبث علي قنواتنا الخاصة فقد طفح الكيل منهم ولم يعد هناك ما يستحق ان تهدر وقتك من أجل ان تشاهده، والإعلام المضاد الذي يبث من الخارج والمتمثل في قنوات الإخوان ينقصه كل مهنية، فالإفلاس اصبح مادتهم الخام بعيد كل البعد عن الحقيقة.

وان كان لدينا مشاكل وسلبيات كثيرة في منظومة الاعلام المصري أدت الي ما نطلق عليه الفوضي الإعلامية مما جعل المشاهد يبتعد الي حد ما عن متابعة الشاشات، هذه الفوضي بحاجة الي تنظيم فاعل من الجهات المنظمة للاعلام في مصر المتمثّلة في النقابات المهنية للصحفين والإعلاميين والمجلس الأعلي للإعلام وكل من الهيئة الوطنية للصحافة والاعلام علي ان يكون لدينا سياسة إعلامية تضع لصالح الوطن والمواطن نصب عينيها بالاضافة الي الاهتمام بالتأهيل الاعلامي والتدريب لرفع كفاءة كل من يعمل في هذا المجال الحيوي.

ولَم يقتصر الافلاس عند النخب السياسية والإعلامية فقط بل والبرلمانيين وما أكثرهم ممن نراهم " ودن من طين وآخري من عجين" وأطلق علي بعضهم "نواب العجوة" كالأصنام أيام الجاهلية الذي صنعها الانسان بنفسه وهو يعلم انها لا تفيد ولا تنفع، وان جاع أكلها، ومع ذلك يصر علي وجودها ككمالة عدد.

بل وأمتد الأمر الي كيانات أيضا، متمثلة في الأحزاب السياسية بمختلف تسميتها وتوجهاتها، أحزاب كارتونية لا أرى لهم وجود علي أرض الواقع رغم كثرة أعدادهم، والخريطة السياسية لمصر بعد ثورة ٢٥ يناير أصابها الكثير من السيولة والفوضى، وبدلًا من ان يتوحد دور الأحزاب نحو أهداف موحدة، وجهت كل خططها الي الانقسامات فيما بينهم أدي الي تهميش دورهم ككيانات مؤثرة في الحياة السياسية، ومنهم من خرج من عباءاتها لتأسيس أحزاب جديدة بعد الثورة، عكس ما كان عليه بعض الأحزاب قديما، فقد كان لحزب الوفد الصدارة بتاريخه الممتد الي قيادة ثورة ١٩١٩ ضد الاحتلال البريطاني علي سبيل المثال، ولعب دورا رئيسيا في جمع وضم الكثير من الأحزاب في شكل تحالف عام للاتفاق علي أجندة موحدة للعمل الوطني والخروج من الأزمة، هكذا كان دور الأحزاب قديما.

وعليه..فهذا الإفلاس المخجل لكل اشكاله وأنواعه وما وصلنا اليه، أدي الي انهيار الحياة السياسية بشكل كامل، من إفلاس سياسي سيطر علي كثير من أصحاب الفكر والرؤي في المجتمع، وان كان أمر الرجوع الي رشدهم مرة أخرى وإعادة أولوياتهم بات صعب، فالتلون والعزف علي كل شكل ولون أفقدهم المصداقية لدي الجميع، وما أصاب الاعلام أصاب بلاط صاحبة الجلالة، المتمثل في الإفلاس الصحفي الذي سيطر علي معظم الجرائد الورقية التي لا تقدم جديد فتتشابه فيما بينها، وتتصدر مانشيت واحد، والقائم علي المهنة يستنبط معلوماته ويستعين في كتابة موضوعاته وأخباره بالمعلومات المغلوطة أو بمعني أدق بالإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي "آفة المجتمع"، مواقع البعد الاجتماعي والاختلاف وليس التواصل، وآخرهم فضيحة تولي وزير النقل الجديد المتوفي منذ أكثر من ١١ عام، تلك الإشاعة التي اثبتت فشل منظومة بأكملها.

وحتي المواطن العادي انتابه نوعا من الافلاس هو الآخر، فأصبح مشاهد يسمع ويري ليس الا، اصابه حالة من الركود والعزوف عن أي مشاركة جادة أو حقيقية من منطلق " لا فائدة لا جديد"، وان كان هذا ليس بصحيح.

والخلاصة.. الجميع اخطأ، الجميع شارك في "زيادة الطين بلة"، ومازال يخطيء، وجميعهم أفلسوا، والفترة القادمة تحتاج إلي أشخاص ذو تفكير ومهارة عالية نستطيع من خلالهم التقدم والنهضة ورفعة الوطن، وغربلة تلك الوجوه القديمة المشوهة التي خيبت ظن المتوسمين فيهم خيرا والعالقين بالأمل، واساءت الي أهمية المرحلة وكل مرحلة، كما نحتاج الي إعلام يواكب تطورات العصر والعمل علي إبداع وإختراع كل ما هو جديد، وصحافة حرة تعبر عن معاناة المواطن وتعمل علي حلها تكون صوته وليس صوت من يرأسه، حتي المواطن يحتاج الي خروجه من تلك الدائرة المغلقة، وليبدأ كل منا بنفسه.