الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عايز تعرف الساعة ادفع.. أسرة باعت الوقت للمواطنين لمدة قرن

صدى البلد

سؤال بديهي تحصل على إجابته في التو واللحظة، إلا أنه في عصر سابق كانت إجابته بمقابل مادي، قطع الكثيرون مئات الأميال لمعرفة الإجابة فقط، قد لا تكون ذات عائد مادي لهم أو مكسب، إلا أنها تقرر مصير وتحسم قرارات، وفي القرن الـ19 باع أحدهم الوقت بالنقود.

عرف جون هنري قيمة الوقت، ولاحظ لهفة الناس على معرفة التوقيت بدقة، وكيف تحرص الحكومة على ضبط ساعتها، فمن خلال عمله في المرصد الملكي بغرينيتش لاحظ تردد المواطنين للمرصد رغم بعد مسافته عنهم، إلا أنهم أصروا على معرفة إجابة سؤال واحد :" كم الساعة ؟".

أتاح عمل هنري في المرصد الملكي امتلاكه لواحدة من ساعات الجيب المثالية، من طراز ملكي كانت ملكا لدوق بريطاني، وأحبها هنري حتى أطلق عليها اسم "ارنولد" تيمنا بصانعها، وكانت دقتها لا مثيل لها لذلك كان يثق الناس به في معرفة التوقيت الدقيق للساعة.

وبالرغم من عمله الروتيني الرتيب، إلا أنه امتلك عقلية ودهاء يحسد عليه، فقرر ترك وظيفته ليبدأ في مشروعه الخاص، ليصبح ساعته هي رأس ماله التي أدار بها مشروعه لمدة سنوات، و ورثها لأسرته، فكان يمر بحصانه فقط على زبائنه لإخبارهم بالوقت، مقابل مبلغ مادي معين يتفقان عليه، وفي كل صباح كان جون هنري يذهب إلى مرصد غرينتش، حيث كان يعمل، وكان يضع ساعته على توقيت غرينتش، ومن ثم كان ينطلق في العربة الخاصة به ويقوم بتحديد ساعات الحائط بصورة صحيحة لعملائه المشتركين في الخدمة.

اشتهر جون هنري ببيع الوقت وعلم أسرته مهنته، وبعد وفاته، لم يتقبل الناس فكرة اختفاء الشخص الذي وثقوا به لمعرفة الوقت، فتوسلو لأسرته لاستكمال مسيرته،  وورثت ابنته إليزابيث روث صنعته، حتى اشتهرت بلقب سيدة توقيت غرينتش، التي سمحت للناس إلقاء نظرة على ساعتها مقابل المال، حتى أصبحت سيدة أعمال شهيرة بلندن بسبب بيعها الوقت.

لم يقتنع الإنجليز بخدمة معرفة الوقت المقدمة بالتلغراف ومكاتب البريد، وأصبحت سيدة غرينتش هي المطلب الجماهيري لهم، فحملت إرث عائلتها لسنوات أخرى هي الأطول بين أسلافها، بلغت 48 عامًا ظلت خلالها تطوف شوارع لندن بلا غياب حتى تقاعدها في عام 1940 وبعمر 86 عامًا.

ولظروف الحرب العالمية الثانية التي جعلت من التحرك بشوارع لندن أمرًا خطيرًا لا يمكن التنبؤ بعواقبه. هكذا لم يعد الناس يرون روث بطلّتها المميزة في الأرجاء.

بدأت نهاية سيدة غرينتش عام 1936، مع ظهور خدمة تيم، والتي كانت خدمة ساعة ناطقة يمكنك الاشتراك بها وطلبها بضرب رقم 846 على أي هاتف أرضي، حيث ستستمع إلى ثلاثة دقات يتبعها صوت نسائي محبب يخبرك الوقت بدقة، تقاعدت سيدة غرينتش عام 1940 وتوقفت عن خدمة ما تبقى من عملائها المخلصين إلى 50 عميلًا للأبد، لم يطل الأمر بها حتى وفاتها بعد 4 سنوات من تقاعدها، بعمر 90 عامًا .

بوفاة سيدة غرينتش انتهى معها مشروع وعمل استمر طيلة 104 أعوام، إلى جانب سريرها حيث عثروا عليها بلا حياة، وجدوا أرنولد المخلص؛ وصبيحة اليوم التالي خرجت الصحف تعلن وفاة “تيم البشرية”.