الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من الإمارات لفرنسا.. الفسيخ يعبر الحدود مع المصريين في شم النسيم

صدى البلد

"ريحة الفسيخ كانت بتزعج الجيران هنا لحد ما بقوا ياكلوه معايا"، ابتعدت هند عبد الله عن بلدها، إلا أنها حملت بداخلها العادات والتقاليد التي كبرت عليها وحفرت بذاكرتها، فأصبحت من المقدسات لديها، إقامتها في دولة الإمارات وسط مجتمع مختلف تماما عن الشعب المصري جعلها في صراع فكري للتأقلم مع الوضع الجديد.

لم تنس هند طريقة عمل الفسيخ في المنزل، فمازالت تتذكر جدتها وهي تحضر مقاديره بدقة، وتحرص على إبعاد براميل الفسيخ عن الهواء وأيادي الصغار، وبعد أيام قليله، تجتمع العائلة كلها حول الفسيخ بعد نضجه.



وفي السنة الأولى لهند في الغربة، لم تستطع أن يمر شم النسيم مرور الكرام بدون الاحتفال به، فقامت بشراء السمك والملح، و وضعت نفسها في امتحان، كانت جديره به، واجتمعت أسرتها الصغيرة حول المائدة وكأنهم بين جدران منزلهم في القاهرة، وبعد انتهاء وجبتهم، فوجئت بالجيران يستفسرون عن مصدر الرائحة الغريبة في العمارة، فأصرت على تذوقهم للفسيخ، كان فضولهم أكبر من تقززهم بالرائحة، حتى أصبحوا يطلبون منها صنع الفسيخ لهم خصيصا.

وفي دولة أقل تفتحا قليلا، تسترجع مروة أحمد ذكرياتها مع شم النسيم، وفي السعودية، كان المصريون محظوظون قليلا هناك، بتواجد الفسيخ المغلف في المتاجر الكبرى هناك، إلا أنه كان باهظ السعر شئ ما، فلجأ الكثيرون إلى صنعه في المنزل.

كانت هدية صديق والدها لهم التي أحضرها من مصر بمثابة انفراجة أسرت قلوبهم وأبهجت أيامهم، حيث بعث صديق الأسرة بـ الفسيخ من مصر عبر أحد الوسطاء، لتتذوق الأسرة طعم الفسيخ المصري أخيرا بعد سنوات من الحرمان منه، تتذكر مروة كيف سخر منها زملاؤها في المدرسة فور علمهم بطبيعة الفسيخ، إلا أن ذلك لم يؤثر بها شيئا سوى أن زادها حبا به، وبتقاليدها التي تتميز بها عن قرنائها في الصف.

لم يكن شريف فاروق أقل حظا من هند ومروة، ولكن مكوثهما في دولة عربية أتاح لهما سهولة التعامل مع الجيران والثقافة العربية المشابهة لهم، أو سهولة العثور على الفسيخ في المتاجر، ولكن في عالم موازي، اعتاد شريف على الحرمان من الفسيخ في غربته بفرنسا، إلا أنه وبمجرد التواصل مع أقاربه قبل شم النسيم يسترجع حنينه لماضيه ولطعم الفسيخ، لم يدر كيفية صنعه في المنزل ولم يمتلك الوقت حتى لصنعه، بحث عنه في الأسواق فلم يجده.

وفي أحد المرات، صادف اسرة من الجالية المصرية هناك، ليكونوا كالاهل له في غربته، يحتضنونه بمشاعرهم الدفيئة فيشعر أنه في بلاده، أتاحت له الأسرة مائدة فسيخ، لم يسأل أو يتقصى مصدرها، فكان مذاقها كالمخدر الذي أفقده عقله فلم يهتم بالسؤال، فقط استمتع بها.

أكد شريف أن مذاق الفسيخ تلك المرة كان من أفضل المرات التي تذوقها في حياته، فكان كالظمآن الذي ارتوى بالماء بعد عطش طويل.