خلاص صخيتم.. قصة مسحراتي يوناني جاب شوارع الإسكندرية

ساد الليل وغطى بعباءته السوداء ظلمة كست الأرجاء، صمت وسكون دام بعد منتصف الليل، لم يقطعه سوى صوت أجش بلكنة عربية مهزوزة بالكاد يستجمع كلماته العربية، يجوب الشوارع حاملًا الطبلة والعصا، فأيقظ الأهالي من نومهم العميق ليكف عن جملته التي رددها قائلا :" خلاص صخيتم.. سلام عليكم".

غزا اليونانيون مصر القرن الماضي، وامتلكو محلات وشركات، وعملوا أيضا كـ" مسحراتيه" في شوارع المحروسة قديما، ميخالي فرانجاكي، مواطن يوناني عاش في الأسكندرية ثلاثينات القرن الماضي، ضاق به الحال ولم يجد من العمل ما يوفر له دخلا لكسب العيش، أحب مصر فرفض الرحيل عنها وبات يبحث عن أي مهنة يمتهنها للعمل.

جلسة سمر بين ميخالي وصديقه المصري مصطفى عبد الغني، يشكو إليه ضيق الحال، حتى أنه لا يملك أي نقود ليشتري طعاما يسد به جوعه، متوسلا صديقه لإيجاد أي وظيفة له.

فكر مصطفى كثيرا ولم يجد أمامه سوى حل هو الأقرب إليه، وتزامنت فترة ضيق الخواجة ميخالي بآخر يوم من شهر شعبان، ليجد له مصطفى حل سريع وهو العمل كمسحراتي في ليلة أول يوم من رمضان.

تعجب ميخالي من الاقتراح الذي لم يخطر بباله يوما، كيف سيقوم بذلك العمل وهو بالكاد يتحدث العربية بركاكة، فأدل عليه مصطفى بترديد عبارة قصيرة فقط لإيقاظ المسلمين لتناول طعام السحور قبل أذان الفجر ، والعبارة كانت :"اصحى يا نايم وحد الدايم" ، ونبه عليه أن يقوم بنطق حرف الحاء بدلًا من الخاء.

لم يدم ميخالي في التفكير طويلا، ووافق على العرض سريعا ، وبدأ يتجول في شوارع الاسكندرية حاملًا الطبلة والعصا، ولكنه مع أول يوم نسي الجملة التي قالها له مصطفى كي يوقظ بها المسلمين لتناول السحور.

ليفاجئ الناس بشخص أجنبي يتحدث العربية بركاكة، يغني في الشوارع قبل آذان الفجر يطالبهم بالاستيقاظ للسحور ، وقال لهم : “خلاص صخيتم ؟ .. يالا كلوا سلام عليكم".

جاب ميخالي في الشوارع وخرج منها بعد انتهاء مهتمه، ولكنه لم يمر على الأهالي مرور الكرام، فنزلوا من بيوتهم قبل الفجر، وذهبوا وراءه ليسألوه عن قصته ويشكروه على مجهوده في ايقاظ الناس للسحور.

أعجب الأهالى بميخالي وأحبوا نبرة صوته ولكنته، فقام صاحب تجارة كبيرة في الاسكندرية بدعوته للعمل معه ابتداء من أول يوم في شهر رمضان المبارك.