الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: عصر البلطجة

صدى البلد

لم يدرك تاجر اللحوم أنه خارج "الكادر" أو أن ما يقوم به ليس مشهدا من فيلم يصوره لمشاجرة وقعت بين أشخاص بلطجية من ضمن أفلامه السينمائية التي دمرت جيل بحاله، ومازالت تدمر وتفرض نفسها على الساحة بنشر كل صور البلطجة والمشاهد اللأخلاقية التي تضرب المجتمع في أصوله، ولكن كما يقال بالشعبي "العيب لو طلع من أهل العيب مايبقاش عيب" هكذا حال ما فعله المنتج الفني أحمد السبكي في واقعة الاعتداء على موقع "صدى البلد" الإخبارى، ومعه مجموعة من الأشخاص الذين قاموا باقتحام المقر وإصابة 3 من الزملاء الصحفيين العاملين به، فلم تتعرض بلاط صاحبة الجلالة للاعتداء عليها يوما ما كما تعرضت علي يد تاجر اللحوم، وقد لفت انتباهي منشور لزميل كاتب صحفي على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لخص فيه الكثير من خلال بضعة كلمات ووصف حالنا جميعا كصحفيين عندما قال: "في مصر..محلات الجزارة تتمتع بحصانة لا تحظي بها الصحف".

حقيقة الأمر أننا جميعا كصحفيين وكتاب ننتمي الي مهنة البحث عن المتاعب يؤسفنا ويحزننا ما نتعرض له من بلطجة واضحة في جميع صورها وأشكالها بداية من الاعتداء علي الزملاء الي تضييق الخناق على المهنة فيما يٌكتب أو يٌعرض أو أي انتهاكات، وان كان هناك في الأمر حقيقة أخرى فما فعله السبكي فهو نتاج أو حاصل تحصيل لما تعرضت له المهنة من قبل، فالبداية كانت منذ أول يوم لإقتحام صرح صاحبة الجلالة في الأول من مايو العام 2016 وقعت حادثة غير مسبوقة منذ تأسيس نقابة الصحفيين قبل 75 عاما، ومن بعدها تكرر المشهد باختلاف المواقف والأشخاص، وقام محامون بالاعتداء على عدد من الصحفيين واستولوا على كاميراتهم وحطموا المعدات، أثناء تغطيتهم للجمعية العمومية الطارئة التي كانت منعقدة لبحث تجديد الثقة في مجلس نقابة اللمحامين، ومنها الي واقعة الإعتداء على المصور الصحفي بجريدة المصري اليوم، من قبل لاعبي وإداريي نادي الزمالك عقب مباراة فريقهم مع بيراميدز، وبعدها واقعة إعتداء أمن نقابة الصيادلة برئاسة محي الدين عبيد نقيب الصيادلة بالضرب علي الصحفيين، وأخيرا ينتهي بِنَا المطاف ان يتعرض الزملاء في موقع صدي البلد الذي سمح لي الحظ من عامين أن أنضم الي كٌتابه وتشرفت بكونِ واحدة منهم تكتب وتسطر بِما يلهمها قلمها ويملي عليها ضميرها، أن أري هادم الذوق الفني في مصر وصانع البلطجة السينمائية المنتج أحمد السبكي يقوم بالاعتداء علي هذا الصرح الاخباري المميز وعلي الزملاء الأفاضل بصدي البلد هو وزبائنه في واقعة مختلفة حدثت بالتزامن مع ذكري أيام اقتحام النقابة، أو بالأدق بعدها بأيام قلائل، وإن كان في الأمر شيء آخر وليس بالبعيد ان عزم السبكي علي اختيار مثل هذا الموعد لافتعال أزمة ما ليذكرنا بما مضي وانتهي وانطوي صفحاته وكأنه يثير الضغينة من جديد بين الصحفيين وجهاز الشرطة، وهو ما يجب أن يحاسب أيضا عليه.

فقد أصبح مجال الصحافة والإعلام معرض للبلطجة ودائما يتعرض جميع الصحفيين للاعتداءات خلال تأدية عملهم في حين أن ذلك الصحفي من المفترض أن يدافع هو عن المظلومين واصحاب الحاجة والمسألة ويساعدهم علي حصولهم علي حقوقهم يكون هو المعتدي عليه ولا يجد من ينصفه ويحميه، كما تعرضت الصحافة لكافة أنواع البلطجة خلال السنوات الماضية سواء من مؤسسات او أفراد، وناهيك عن حظر النشر في بعض القضايا، وضعف المرتبات والفصل التعسفي وإغلاق بعض الصحف وتسريح العاملين بها، وتعرض البعض من الزملاء الي الحبس أو الاحتجاز أثناء تأدية عملهم وتغطية الأحداث، كل ذلك خلق الخنقة وازدادت حلقة الضيق لدي كل من يعمل في هذه المهنة، وأذكر أن منا من ترك المهنة لعدم قدرته علي ملائمة الوضع أو التكيف والتعايش معه، وكل ذلك يرجع الي إهدار حقوق الصحفيين وعدم تشريع قوانين تحميهم، ولكن شاءت الظروف أن يكون رد الفعل مختلف في واقعة صدي البلد ويتضامن عددا من الاعلاميين والعاملين بالمهنة ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ورؤساء تحرير بعض الجرائد القومية ونقيب الصحفيين، ورئيس الهيئة العامة للإستعلامات اللذان أتخذان بعض الإجراءات منها: إلزام كل الإصدارات والمواقع الصحفية المصرية بعدم نشر اسم وصور المنتج الفني أحمد السبكى الذي قام بالإعتداء على موقع صدى البلد والزملاء العاملين به، إلا في حالة ملاحقته أو اتهامه قضائيًا، مع ضرورة إتخاذ الإجراءات النقابية المنصوص عليها في قانون النقابة ولائحتها ضد أي عضو بالجمعية العمومية ينتهك هذا القرار، ودعوة الزملاء في نقابة الإعلاميين للانضمام للقرار السابق بمنع نشر اسم وصور المنتج الفني قائد الاعتداء في كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة المصرية، تضامنًا مع نقابة الصحفيين والموقع والزملاء المعتدى عليهم، ودعوة الزملاء رئيس وأعضاء مجلس الاتحاد العام لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وأعضاء مجالسها، لإدانة الواقعة.

فما نراه الآن علي الساحة الإعلامية والصحفية أمر مزعج يكدر سلم الصحفيين ويعكر تاريخ سنوات وسنوات لمهنة البحث عن المتاعب ولكن لم أتخيل أن جزءا من تلك المتاعب هو السطو والضرب والإهانة والبلطجة وعلي يد بعض الجهلة والعشوائين، وفِي الوقت نفسه تواجه المهنة صعوبات كثيرة تعجزها على استكمال مشوارها الحقيقي فعندما نري الاعتداء علي الصحفيين من مجموعة من البلطجية فهذا مؤشر خطير يؤكد اننا في عصر البلطجة، والضغوطات والحروب التي تمارس ضد المهنة وتهدف للقضاء عليها تحتاج الي تدخل قوي وحاسم من قبل المسؤولين ضد ما فعله السبكي بحق الزملاء يخرجنا من هذه الأزمة وألا يمر مرور الكرام حفاظًا علي ما تبقي من المهنة.

وللتوضيح وبعد إجتهاد بسيط بالنسبة للسياق القانوني للواقعة، أن ما قام به السبكي من فعل يعد مخالف للقانون وله عقوبة جنائية يعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن عامين وغرامة من 100 الي 200 ألف جنيه حسبما تحدد أوراق القضية وتشمل العقوبة الاعتداء علي رجال أمن المقر وإتلاف الممتلكات الخاصة والتعدي علي صحفي أثناء تأدية عمله والسب والقذف واحتجاز صحفي دون مبرر وسند قانوني، فكل هذا يقع تحت طائلة القانون فما قام به السبكي هو إنتهاك واضح وصريح وتعدي علي حقوق الصحفيين يضعه تحت طائلة القانون ويخضعه لضرورة تطبيق مواد قانون الإجراءات الجنائية عليه، ونحن ننتظر ان ينال عقابه عما تسبب فيه من جريمة شنعاء وصمة عار علي جبين الجميع إن لم يأخذ القانون مجراه ويعاقب المعتدي.

الخلاصة.. ما تعرضت له المهنة في الأعوام الماضية ومازالت كفيلة بأن يكون هناك ضرورة ملحة لتشريع قوانين تحميها وتحمي الصحفيين، ولعل ما قام به الزملاء في موقع صدي البلد الذين رفضوا التصالح مع تاجر اللحوم من أول يوم وقرروا أخذ حقوقهم بالقانون وما أتخذه نقيب الصحفيين وأعضاء مجلسه، ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ورئيس الهيئة العامة للإستعلامات، ودعم الكثير من الصحفيين لزملائهم في موقع صدي البلد، خطوة قوية وبداية صحيحة تبعث رسالة مفاداها أننا جميعا يد واحدة وأن بلاط صاحبة الجلالة ستظل راسخة قوية جليلة وصامدة ضد أي بلطجة من أي نوع، وتعرف كيف تحافظ علي من ينتمي إليها وتسترد حقوقهم بالقانون، فالقضية مازالت قائمة والصراع حتما سيطول ومعاركنا ليست فقط مع تاجر اللحوم، بل مع كل من سول له نفسه أن يظن أن الصحافة مهنة تموت، فالمهنة دائمة والأشخاص هم من يموتون والمناصب في زوال، ونأمل في ان نقول وداعًا عصر البلطجة.