الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشا عمار تكتب: عندما يكون التطرف وسيما

صدى البلد

كنت في السابعة من عمري عندما سمعت أحد مشايخ التطرف يتحدث عن تحريم الصور الفوتوغرافية ومشاهدة التليفزيون وعذاب القبر وغيرهم، ولم استوعب حينها أن من يتحدث يعبر عنه رأيه الشخصي، ظننت أن ذلك هو حكم الله، الذي تصلي له أمي فجرًا، ولا نسرق أو نكذب حتى لا يغضب، وظل رأي الشيخ حاجزًا بيني وبين الله حتى تفهمت الأمر. 

ومثل كثيرين من أبناء جيلي لم نقبل اعتذار الشيخ وزملائه، ولا ننكر أننا فرحنا به لأنه ربما سيكون بداية لتعافي الكثيرين من أتباعه، لكن السؤال الجوهري في مسألة الدعاة بالنسبة لي، هو لماذا يحبهم الناس ويقدسونهم إلى هذه الدرجة؟! وكيف يتوارثنا هؤلاء جيل بعد جيل، يشكلوننا على طريقتهم الخاصة، ويسكبون السم في عقولنا ويدمرون حيوات الناس ثم يعتذرون. 

في الوقت الذي يعتذر فيه بعض مشايخ التطرف في الوطن العربي بالتزامن مع ثروة فكرية عالمية لمواجهة أفكارهم، يظهر في مصر والوطن العربي غيرهم يروجون للأفكار نفسها، ينمو بيننا أمثال عبد الله رشدي، الذي يدعو لإقرار قانون الجهر بالفطر، متجاهلا أن الله وضع حالات أجاز فيها الأمر. 

رشدي الذي تفرد له صفحات كاملة في بعض الصحف، وتستضيفه البرامج بشكل دوري، وله قناة لها ملايين المتابعين على اليوتيوب، أقر أن المسيحي كافر واستشهد بالقرآن على ذلك وتم إحالته للعمل الإداري في عام 2017، على خلفية هذا التصريح بعد التحقيق معه ومنعه من الخطابة، مع ذلك يقدم نفسه على أنه عالم أزهري.
خصص حلقات لشرح سبل العذاب التي تنتظر المرأة المتعطرة أو المتزينة، وحلقة أخري حرم فيها مشاركة المسلمين غيرهم في الاحتفال بالعيد، وغيرها من فتاوي تعج بالكراهية والتطرف. 

إذا هي الآلة نفسها، تتغير الأشكال والمظاهر وتبقي الأفكار، رشدي الذي يخرج علينا مرتديًا البدلة الأنيقة محفوف الذقن، وسيم، لا يختلف عن الشيخ الذي ظهر علينا في التسعينات بلحيته المخيفة وثيابه القصيرة. 

أدرك جيدا مدي تأثير الدين في النفوس، وهم يجيدون التسويق لأفكارهم بعدها مزجها بالدين بشكل احترافي.
ولكن إذا كان عدد كبير منهم يعود بعد عشرات السنوات ويعتذر ويقر أنه أخطأ حتى في فهمه الشخصي للدين، بل يعترف بمسؤوليته عن الفكر المتطرف، وعن الحروب الدينية التي خدمت مصالح سياسة واقتصادية لعدد من الدول فقط، بعضهم يعترف أنه كان آداه لتشويه الناس. 

فما السبب الذي يجعل الناس يصدقون ويعتنقون ويحبون ويقدسون، دون تفكير؟

ربما هي أزمة نفسية، لأن الإنسان دائما في حاجة لمن يتحمل عنه وزره عندما يسأل أمام الله فيقول يا رب اتبعت فلان فأضلني. 

لكن الأكيد، أن استمرار هذه الآلة في العمل لن ينتج إلا مزيدا من الإرهاب والتطرف والكراهية.