الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان يواصل استفزاز قبرص في المتوسط.. تركيا تتعطش للحرب لتشتيت الأنظار عن أزمتها الداخلية بعد النتيجة العكسية للانتخابات المحلية.. والاتحاد الأوروبي يحذر أنقرة ويجدد طلبه باحترام الحقوق السيادية

أردوغان
أردوغان

  • تركيا متعطشة للحرب مع قبرص.. وتنتظر ردا حاسما من أوروبا
  • أردوغان يشتت أنظار العالم عن أزمته الداخلية بعد الانتخابات المحلية وفي ظل انهيار الليرة
  • الاتحاد الأوروبي يحذر أردوغان من استفزاز قبرص.. ومخاوف جيوسياسية للصراع

جدد الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، دعوته لتركيا إلى احترام "الحقوق السيادية" لقبرص و"الامتناع" عن أي "عمل غير قانوني"، وذلك في إشارة إلى نية أنقرة التنقيب عن الغاز في "المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص"، وهو الأمر الذي عكس ضعف نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، خاصة من الجانب الداخلي تزامنًا مع تواصل انهيار الليرة التركية.

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا مطولًا حذرت فيه من خطورة التصعيد التركي في شرق البحر المتوسط، بعد إعلان السلطات التركية نيتها التنقيب عن الغاز حتى سبتمبر في منطقة من البحر المتوسط، الأمر الذي اعتبرته قبرص أنه خرق لمنطقتها الاقتصادية.

وقالت المجلة إن أردوغان يعاني من ضعف داخلي شديد الوضوح، هذا الأمر أسفر عن اتخاذه سياسة عدوانية مع جيرانه في البحر المتوسط، فعندما أعلن بيرات البيرق، وزير المالية التركي وصهر الرئيس التركي، في 12 مايو أن بلاده سترسل قريبًا سفينة حفر لاستغلال موارد الغاز الطبيعي في منطقة تعتبر على نطاق واسع ملكًا لقبرص، كان يميل إلى تصوير الحادث باعتباره مجرد انفجار غير ضار آخر في النزاعات الإقليمية التي استمرت عقودًا في شرق البحر المتوسط.

وكان تأجيج التوترات بشكل دوري مع اليونان وقبرص دائمًا جزءًا من استراتيجية السياسة الخارجية التركية، إلا أن هذه المرة تلوح بأكبر خطوة عما سبق، بيد أن هناك أدلة كثيرة تؤكد استعداد النظام التركي لتصعيد مواجهته لتصبح أبعد من مجرد كلام.

جاء إعلان البيرق قبل يوم واحد من عقد تركيا مناورات ذئب البحر 2019، وهي أكبر مناورات بحرية سنوية في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط.

وفي 15 مايو الماضي، كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده سوف تشتري منظومة إس 400 الصاروخية الروسية، الأمر الذي أثار أزمة دبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، ومع ذلك فطيلة تلك الفترة، ظلت الطائرات التركية تنتهك المجال الجوي اليوناني بشكل شبه يومي.

وقالت المجلة إن شراء المنظومة الروسية يعتبر في حد ذاته مصدرًا للتوتر، بيد أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يعتبران أن النظام الصاروخي الروسي، بمجرد توصيله بشبكة الرادار التركية، سيمنح الأنظمة الروسية الوصول إلى بيانات الناتو الحساسة، وهو الأمر الذي قد يجعل موسكو تطلع على أسرار طائرات إف-35 الذي كانت تركيا تتطلع إلى شرائها لولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، تدعي تركيا أن هذه المخاوف مبالغ فيها، لكن هذا لم يمنع واشنطن من تهديد أنقرة بالانسحاب من برنامج إف-35 وعقوبات إضافية، حيث أصدرت لجنة بمجلس النواب الأمريكي، يوم الثلاثاء الماضي، نسخة أولية من مشروع قانون بشأن الإنفاق تسعى لمنع شحن طائرات إف-35 المقاتلة إلى تركيا، ويمنع مشروع القانون، الذي أعدته لجنة المخصصات استخدام الأموال الاتحادية لشحن طائرات إف-35 إلى تركيا.

وكثيرا ما يستخدم الكونجرس سيطرته على إنفاق الحكومة الفيدرالية للتأثير على السياسات بمنع استخدام الأموال في أوجه معينة، وفي هذه الحالة، لن يسمح التشريع على سبيل المثال بأي أموال للوقود أو الطيارين من أجل نقل الطائرات إلى تركيا.

في سياق آخر، أكدت "فورين بوليسي" أن كل هذا يمكن اعتباره ببساطة جزءًا من العلاقة الإشكالية عمومًا بين تركيا والغرب في أعقاب أحداث احتجاجات منتزه غيزي أو ميدان تقسيم وتصاعد الحرب في سوريا، عندما بدأ أردوغان في تدعيم سلطته في الداخل قبل حوالي ست سنوات، لكن الانتخابات المحلية الأخيرة في إسطنبول - والتي خسر فيها أردوغان المدينة التي يعتبرها مقرًا لسلطته - قد أخافت بوضوح الرجل القوي الذي كان لا يتزعزع، مما تسبب في تجاوزه وإجباره على إعادة الانتخابات. حيث يبدو أن هذا سوف يأتي بنتائج عكسية، حيث تسحب أحزاب المعارضة مرشحيها وتلقي دعمهم خلف حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، الذي كان الفائز في الجولة الأولى.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن هذه التوترات تأتي وسط تراجع الاقتصاد، كما ينعكس في سعر الليرة التركية، والتذمر من أردوغان داخل حزبه. والاستقبال الفاتر للرئيس التركي عندما زار شمال قبرص المتحالفة مع تركيا العام الماضي، معتبرة أن هذه تطورات لم يكن أردوغان من الواضح أنه مستعد لها. ولفتت إلى أنه رغم أنه قد يستفيد الأتراك في نهاية المطاف من الضعف المفاجئ لرئيسهم المستبد.

ولكن يشير التاريخ واتجاهات السياسة الدولية إلى أن القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة لديهم حوافز لتنظيم استعراض للقوة وتوحيد قاعدتهم خلف تهديد أجنبي وشيك، معتبرة أنه لدى أردوغان كل الأسباب لإثارة العداوات مع اليونان - خصم تركيا التقليدي وحليف قبرص - لتشتيت انتباهه عن مشاكله في الداخل.

وقالت المجلة إنه يجب أن يكون هناك رد أوروبي قوي وحاسم يثبت أن لليونان وقبرص حلفاء، مضيفة: "خارطة الطريق التي يتبعها أردوغان هي من صنعه، وكذلك بذور متاعبه. وفي الرد على استفزازاته، يتعين على أوروبا الآن أن تتبع نهجا متوازنا ولكنه حازم، لا يترك مجالا للشك في أن قبرص واليونان لديهما حلفاء. وهذا سيفعل الكثير لثني التصعيد أكثر من أي محاولة لاسترضاء أردوغان المضطرب بتنازلات".

وأوضحت المجلة الأمريكية أن هناك مخاطر جيوسياسية أوسع لأوروبا، في حالة حدوث تصعيد، بما في ذلك أي نوع من الصراع العسكري، كما أن تبدد حلفاء قبرص واليونان سوف يبطل الخيارات التي اتخذها العضوان في الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاتهما مع الغرب وخلق مزيد من الشكوك حول فعالية دور الناتو.

وتابع التقرير: "من الصعب تحديد حدود المواجهة الحالية، فالظروف الحالية تجعل هناك مزيجا خطيرا من التهديدات والسيناريوهات، فلقد ابتعد أردوغان بثبات بتركيا عن المؤسسات الغربية التي تنتمي إليها (الناتو) وتلك التي كان يطمح إليها في السابق في أن تكون بلاده جزءًا منها (الاتحاد الأوروبي) وبات أقرب من روسيا وهو يحاول تصوير نفسه كزعيم إقليمي في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه، قبرص واليونان عضوان في وضع جيد للاتحاد الأوروبي، في الواقع، لقد اقتربت اليونان من الولايات المتحدة وحلف الناتو مما كانت عليه في أي وقت خلال العقود الأربعة الماضية، عزز رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس علاقات أقوى مع كل من إسرائيل ومصر، شركاء قبرص في مشاريع الغاز الطبيعي".