الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد سعيد العوضي يكتب: ونجيناه من الغم

محمد سعيد العوضي
محمد سعيد العوضي

وحينما أقبل المساء، ورأى انعكاس روحه مطليًا في لوحة السماء أدرك حينها أنها إحدى الليالى القمرية التي تشبهه تمامًا ، تختلف في تبيانها عن أي ليلة أخرى من ليالى الشهر ، كما يختلف وجدانه في تلك الفترة عن أي حقبةٍ أخرى عاشها من قبل!.

الظلام الدامس الذى يغمر الأرجاء لا يختلف كثيرًا عن تلك الظلمات التي تغشى أركان جسده عما اقترف كل عضو فيه من تقصيرٍ في جنب الله ، وأما عن القمر ! فهو مرآة القلب ... ذلك القلب القاتم الذى استساغ كل ما يغضب الله لكن مصابيح الهدى التى سكنته فى فترةٍ ما ما زالت تبعث أشعتها إليه لتذكره بالنور الذى كان يغمره من ذى قبل ، كذلك هو القمر المعتم الذى لا نراه مضيئًا إلا بفضل أشعة الشمس التى تنعكس عليه.

يُخرِج زفيرًا عميقًا يبث فيه همومه إلى السماء كما لو أنه يخبرها أن ما يغشاها من ظلام لا يقل فى سواده عما تراه عيناه ، تلك العينان اللتان أغلقهما لينتقل من عالم السماء إلى عالم روحه ليناجي ذلك الغريق القابع بين ضلوعه ، والذى يستأنس به في كل ليلةٍ كأنه الصديق الحميم الذى يأبى أن يفارقه أبدًا ... يقول له : يا صديقي الغريق ، حين أراك بعيدًا في بحار الظلام أشعر بالشفقة الشديدة عليك ، تتخطفك أمواج اليأس إلى حد الغرق لتنغمس فى قاع التيه ، ثم تنتشلك إحداها عاليًا فتسرق عيناك نظرةً إلى السماء متوسلةً لضياء القمر أن يحميك بفيض عطاياه من ذلك الظلام ، ولكن سرعان ما تأتى ظلمةٌ أخرى تغمسك فى قاعها لا تحسب أنك سترى نورًا من بعدها قط ... و أعلم تمامًا أن ألم اليأس من النجاة الذى يفتتك هو أشد وطأةٍ على قلبك من آلام الضلال التى تعيشها ، و أعلم أيضًا أنك تنتظر أن يمد إليك أحدهم يد العون لينقذك مما أنت فيه .. و لكن يا صديقي أريد إخبارك أن نجاتك لن تأتى إلا بيديك ، لن يشفع لك القمر أو أى ضياءٍ آخر و لن ترحمك الظلمة أو أى موجةٍ أخرى ، لن تنجو إلا عندما تسبح حتى تعود إلى شواطئ ماضيك ، تهزم الأمواج تارةً و تهزمك تارةً ، تغض الطرف عن التوسل لشفاعة القمر حينًا و تنسل بين فجوات الظلام حينًا آخر ... و لكن متى تأتى تلك النجاة ؟!

تفتته تلك المناجاة كل يوم إلى أن ينام حتى يلاقى يومًا جديدًا يشهد على انفطار قلبه ، لكن تلك الليلة أدرك أنه لم يعد يقوى على التحمل أكثر من هذا ! لا يقوى أن يذهب إلى سريره و هو مثقلٌ بتلك الأعباء كلها .. لكن إلى أين ؟ و من يستطيع أن يشعر به ؟!

و مع اقتراب الفجر ، لم يجد لآلامه سبيلًا إلا أن ينتقل من مناجاة روحه المظلمة إلى مناجاة الله الأعلى فهو القادر على أن يطلي روحه بالطمأنينة التى يرجوها.

قام ليتوضأ أمام تلك القطرات التى تسقط كل واحدة منها لتمحو أثر ذنبٍ مضى ، يفترش سجادة الصلاة أمامه كأنه يمهد لنفسه طريق النجاة ، كما مهدت عصا موسى له و لقومه طريق النجاة عما حولها من البحر كما قال رب العزة فى كتابه " فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ " يقف أمام رب العزة الذى يعلم ما فى صدره من الألم ، يصلى إليه و يطلب منه الراحة و الطمأنينة ، حتى إذا ما حان لحظة السجود و عانقت جبهته الأرض لم يجد نفسه إلا و قد اغرورقت عيناه من الدمع كالفيضان الذى لا حصر له ،، يهمس برسائل قلبه إلى الأرض كأنها الرسول الأمين الذى سيصل بتلك الرسائل إلى ربٍ كريمٍ رحيمٍ.

نبضات قلبه تختلف فى تلك اللحظة عن ذى قبل، نبضة قلبٍ يعتصره الألم تطلب من الرحمن النجاة و المغفرة، نبضة اشتياقٍ ترجو كل معاني الحنين و الطمأنينة، نبضة حيرة المنكسر يطلب من الله بها الهداية، نبضة يأس تحمل فى طياتها استفسار القلق ، هل ستقبلني يارب و أنا عبدك العاصى ؟! يا من جعلتك أهون الناظرين إليّ هل ستشملنى بعفوك ؟ هل ستنالني مغفرتك ؟!

كنت تقول هو عبدى ، هو أحد جنودى و سيعود .. فلا تؤذوه يا ملائكتي ، و ها أنا عدت إليك يارب فاكتبنى من المغفور لهم ...
حتى إذا فرغ من صلاته كان يعلم أن الله سيرضيه و يضع فى قلبه طمأنينة التوبة ، فسبحان الذى تجعله أهون الناظرين إليك فى معصيتك فلا يعاقبك ، و تلوذ إليه فى توبتك فيقبلك .. فلا تقنط من رحمته ، ولا تيأس من روحه.