الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مختار محمود يكتب: "بزنسة" الأديان!

صدى البلد

في كلمته باحتفال "ليلة القدر"، تحدث شيخ الأزهر الشريف الدكتور "أحمد الطيب" عن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وتداعياتها وآثارها ومخاطرها، والرجل مُهتمٌّ بهذه القضية ويطرحُها في جميع المحافل التي يُدعى إليها. ولكن لفتَ نظرى مُصطلحٌ نحتَه الإمام الأكبر في كلمته الأخيرة، أمس، وهو مُصطلح "سماسرة الأديان"، حيث حمَّلَ فضيلته هذه الفئة الباغية تبعاتِ ما يحدثُ وحدثَ من حروبٍ وتخريبٍ وتدميرٍ وسفكٍ للدماء وإهلاكٍ للحرث والنسل، تحتَ راية الأديان.

والحقَّ أقولُ.. إن كثيرًا من المآسى والمصائب اقترفت وتقترفُ باسم الأديان وتحتَ لوائها، والأديانُ منها بريئة، لا ذنبَ لها ولا جريرة، ولم يدفع وزر تلك المصائب والمآسى سوى الإنسانية، على مرِّ القرون والعقود.

أرسلتْ السماءُ أديانَها وأنبياءها وكتبها إلى الأرض؛ لهداية البشر إلى صراط الله المستقيم، وأن يقولوا حُسنًا ويعملوا حُسنًا، ويتعارفوا، ويعمَّ بينهم السلامُ والخيرُ، وتتسعَ وتيرة التنمية والعمران، ولكن الإنسانَ تلقفَ الدينَ تلوَ الدين، وحادَ به عن الطريق المرسوم، واتخذ من تعاليمه طريقًا لا ينتهى للشر، حتى انفضَّ بشرٌ غير قليل عن الأديان وأنكروها، بل تطرف بعضُهم، وأنكر وجود الله تباركتْ أسماؤه وجلَّ في عُلاهُ.

الفيلسوفُ "تزفيتان تودوروف" يقول: "إنَّ الثقافات بكل مكوناتها التقنية والفنية تنتشرُ بسرعة متزايدة في أرجاء الأرض، وتعرفها شرائحُ كبيرة من سكان العالَم، ومع ذلك فإنَّ الحروبَ لم تتوقفْ، والبؤسَ لم يتراجعْ، وحتى العبودية لم تُلغَ إلَّا من القوانين، أمَّا على مستوى الممارسة فإنها مازالتْ باقية"، وهذا أيضًا ينطبقُ على الأديان، التي لم تتمكنْ، رغمَ انتشارها، من تجفيف منابع الدماء، وكبح جماح القتل والتدمير، بسبب الإنسان الذي لجأ إلى شيطنتها!

وكما أنَّ للأديان "سماسرة" يعيثون في الأرض فسادًا وإفسادًا وإهلاكًا، فإنَّ لها أيضًا "مُرتزقة" يتخذونها وسيلة للاسترزاق والإثراء وملء خزائنهم وجيوبهم وبطونهم، وتلك آفة لا يخلو منها دينٌ.. قديمًا والآنَ وفى قادم الأيام والسنين.

وليسَ من شكٍ في أنَّ أكبرَ جريمة ارتكبتها الأرضُ بحقِّ السماء هىَ "بزنسة الأديان"، وتحويلُها من "قيم روحية وأخلاقية"، إلى "أدواتٍ للكسب والحصول على الأموال واكتنازها"، وهى جريمة مُنظمة، لها اقتصادياتُها وآلياتُها وأدواتُها وجيوشُها وفلسفاتها ومراجعُها ومرجعياتُها، وتفوقُ في جُرمها وتنظيمها، ما سواها من جرائمَ.

"بزنسة الأديان" دفعتْ الإنسانَ إلى تحويل "الدين الواحد" إلى "أديان متعددة"، وصار لكل فرقة شيوخٌ ودعاةٌ يبشرون أنفسَهم وأتباعهم بجنات النعيم، ويحكمون على من سواهم بالكفر والجحيم، وهم، في سبيل ذلك، يخوضونَ تلاسناتٍ وسجالاتٍ وحروبًا كلامية، ويحرضونَ على حروبٍ مُسلحةٍ؛ ليسَ من أجل الدين ولا لوجه الله، ولكن من أجل تغليب مصلحتهم الشخصية، ولا شئَ سواها.

القرآنُ الكريمُ حذَّر المسلمين من هذا السلوك الشيطانى بقوله:" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ"، ولكنَّهم، كما غيرهم في جميع الأديان، ضربوا بهذه الآية، عُرض الحائط واتخذوها سِخريًا، وفرَّقوا دينهم ومزَّقوه وجعلوه شِيعًا وطوائفَ وجماعاتٍ ومجموعاتٍ وأحزابًا.. "كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون".

إنَّ البشرية تحملتْ ولا تزالُ تتحملُ من البلايا بسبب آلاعيب رجال الدين ما تنوءُ به الجبالُ الشوامخُ، وهو ما يضعُ الأديانَ دائمًا في موضِع الاتهام، رغم أنَّ المتهمَ الأولَ والأخيرَ في جميع مآسى العالم، منذ بدء الخليقة، وحتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، هو: الإنسانُ، ولا شئَ غيرُه.