الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.يحيي عبد القادر يكتب: مظاهــــر التلبيــس فى مناهـــج التدليــــس !!!‎

صدى البلد




رحم الله المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتى الذى قدم لنا مؤلفه الشهير (عجائب الآثار فى التراجم والأخبار). بالرغم من رحيل الجبرتى عام 1825 إلا أن ذكراه لا تزال تتردد كلما لاحت لى بعض من مظاهر التدليس المعاصر. دعانى صديقى المستشار محفوظ رضوان لننعم بروائع الموسيقى الشرقية الكلاسيكية فى معهد الموسيقى العربية. كان فريق من العازفين يشدون بأغانى عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز وأسمهان وليلى مراد وفريد وربما العندليب.

على خشبة المسرح تألقت مطربة حسناء شابة ترتدى ثوبا مزركشا مبرقشا خلابا وقد صفت شعرها بأسلوب ساحر فتحسب أنك تشاهد بلقيس ملكة سبأ التى مهد لها عرشها الجان من جنود سليمان عليه السلام أو كأنها الخنساء شاعرة العرب فى الزمن الجاهلى السحيق. ضجت القاعة بالتصفيق حين انتهت قيثارة السماء (فيحـاء) من شدوها العذب الرقيق وسألتها سيدة مولعة بفنها العريق لماذا كانت (فيحاء) تنظر لأعلى وتحلق فى ملكوت السماء وهى تشدو برائعة كوكب الشرق. أجابت (فيحاء) إجابة أبهرت العلماء وحيرت النبهاء ومن المؤكد أنها حيرت العقلاء

- ( لقد نظم الشاعر الهادى آدم قصيدته العصماء قبل أن يتوجه للأراضى المقدسة لأداء فريضة العمرة لكن السيدة أم كلثوم استدعته للاتفاق على أن تشدو بكلمات قصيدته العذبة الساحرة



- إذا القصيدة دينية وليست عاطفية غرامية ؟

- القصيدة كانت فى مدح الرسول !!!







استولت على نوبة من الضحك المباح لكن جلال مقام الموسيقى الشرقية وروعة الألحان ألجمنى حتى أفتش عن كلمات القصيدة حتى لا نفتن فى ثوابت العقيدة ونخلط مابين أغانى العشق ومقامات الصبا والحجاز.

اختلط الأمر على المطربة الشابة وحملت الشاعر السودانى الراحل الهادى آدم (1927 –2006 ) مالا طاقة له به. فالقصيدة غرامية عاطفية وليس لها علاقة بشعائر العمرة أو الطواف بالأراضى المقدسة. ولما كانت (فيحاء) فى نشوة الطرب والبهاء فلقد أضافت أن أغنية (أنت عمرى) للشاعر أحمد شفيق كامل ( 1929 – 2008) قد ألفها أيضا وهو يستعد لزيارة بيت الله الحرام! يبدو لمن يعمل فى خدمات السفر والسياحة أن المطربة الحسناء تعمل لحساب إحدى شركات السياحة التى تروج لرحلات العمرة والحج على مدار العام وأن خشبة المسرح ليست سوى منصة للترويج لزيارة مدينة الرسول وبطحاء مكة والحطيم وزمزم.

أو ربما هى تقوم بتلك الجهود تطوعا لبث السكينة فى قلوب عشاق الموسيقى حتى يدركوا أن الغناء حلال وأن الطرب يقود للفردوس الأعلى طالما أن الألحان لم تحرك لواعج الهوى والغواية فى نفوس الحاضرين أو تحدثهم بفاحشة.

الآن فقط أدركت السر وراء رائعة عبد الوهاب ( يا مسافر وحدك وفايتنى...) لربما كان عبد الوهاب قد قرر زيارة الأراضى المقدسة إلا أن رفيقه انطلق مبكرا وتخلى عن عبد الوهاب ليشدو وحيدا وحزينا ( يا مسافر وحدك ...). العجيب أن صديق روى لى منذ زمن بعيد أن الراحل (أحمد شفيق كامل) كان مستشارا تجاريا فى المكتب التجارى لمصر فى أسطنبول وأنه قام بتأليف كلمات (أنت عمرى) وهو يتأمل مياه البوسفور التى تتدفق حتى تصب فى مضيق الدردنيل !