الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء حيدر يكتب.. تعمير سيناء والقنبلة الذرية

صدى البلد

لم يعد هناك مجالا للشك، في أن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، من خلال توقيتات صدور بياناتها وأسلوب صياغتها، بخصوص الإرهاب في شمال سيناء، أنها أصبحت تستخدم نشاطها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، كستار لتدعيم الإرهاب، ومساندة تنظيم داعش الإرهابي، في شمال سيناء، لإحباط مسيرة التنمية الطموحة التي تطلقها حاليا الدولة في هذه البقعة الغالية من الأراضي المصرية.

كما يظهر بجلاء، من خلال بيانات هيومان رايتس ووتش، التي تسبق دائما العمليات الإرهابية في شمال سيناء، أنها أصبحت تستهدف البحث عن ملاذ آمن لفلول الإرهابيين، بعد أن تمكنت القوات المصرية، جيش وشرطة، من تدمير جانبا كبيرا من البنية التحتية الإرهابية في سيناء .و وصل قلق هيومان رايتس ووتش مداه بنجاح مصر في ربط سيناء بالوطن الأم، بأنفاق تحيا مصر، تمهيدا لتوطين ملايين المصريين في جميع أرجاء سيناء، فضلا عن نجاح المخابرات المصرية في تسلم الإرهابي ، هشام العشماوي، لتحقق مصر مزيدا من النجاحات في تضييق الخناق على الإرهابيين سواء في شمال سيناء، أو في غرب مصر، حيث الحدود المشتركة مع ليبيا.

فمن ينظر لتوقيت صدور بيان هيومان رايتس ووتش الأخير، الذي أدانت فيه القوات المسلحة المصرية و قوات الأمن، بزعم انتهاكهما لحقوق السكان المدنيين في شمال سيناء، يتبين أن البيان صدر قبل أيام قليلة من العملية الإرهابية التي إستهدفت كمين لقوات الأمن في العريش، في 5 يونيو الحالي، ما يعني أنها كانت على علم مسبق بتوقيت هذه العملية. أما قمة المهزلة في بيان هيومان رايتس ووتش، فيتجسد في وضع القوات المسلحة المصرية، و قوات الأمن، على قدم المساواة مع جماعة داعش الإرهابية بإتهامهما بأنهما يرتكبان نفس انتهاكات تنظيم داعش الإرهابي الدولي ضد السكان المدنيين في شمال سيناء، لتمنح بذلك قوة وهمية لفلول جماعات إرهابية تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام ضربات القوات المصرية المؤلمة.

ويبدو بوضوح من خلال بيانات هيومان رايتس ووتش أنه لم يعد أمامها لكي تفضح نفسها بتدعيم الإرهاب سوى أن تضمن بياناتها إضافة جملة "سيروا أيها الإرهابيون و نحن في ظهوركم".

وقبل أن يتهمني البعض بالسقوط في براثن" نظرية المؤامرة "، والتجني على هيومان رايتس ووتش، ينبغي أولا التعريف بالتاريخ الأسود لهذه المنظمة غير الحكومية، المعروفة باللغة العربية بإسم "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" . فهذه المنظمة تأسست في عام 1978 ، على أيدي إثنان من كبار الصهاينة، هما روبرت برنشتاين ، و آريه نيير . و رغم أن برنشتاين و نيير إكتفيا في وقتنا الحالي بالرئاسة الشرفية للمنظمة، وتظاهرا بانتقاد بعض تقاريرها، لمنحها المصداقية المفقودة، إلا أنهما يديران المنظمة وفقا للمبادي التي تأسست من أجلها ، و هي إسقاط الدول، و تفتيتها إلى دويلات، بإستخدام سلاح الدفاع عن حقوق الإنسان كغطاء لتنفيذ مهمتها الشيطانية . و كانت هيومان رايتس ووتش قد ساهمت بقوة في تدمير الاتحاد السوفيتي السابق، وتفكيكه إلى 25 دولة، عندما تأسست للمرة الأولى في 1978 تحت إسم " هلسنكي ووتش "، بهدف التأكد من إمتثال دول الإتحاد السوفيتي السابق بقيادة روسيا الإتحادية لإتفاقيات هلسنكي، الخاصة بحماية حقوق الإنسان . وعندما أقتربت هلسنكي ووتش من تحقيق هدفها بتجريد روسيا من 24 دولة حليفة لها بتفكيك الإتحاد السوفيتي السابق ، بادرت بتغيير إسمها لتطلق على نفسها إسم "هيومان رايتس ووتش ".


كما تزامن هذا التغيير في الاسم، مع تحويل وجهتها التخريبية صوب الصين ، بهدف تدمير الصين ، و إيقاف مسيرة تقدمها الهائل في المجالات الصناعية ، و التجارية ، والتكنولوجية ، فضلا إحباط جهود الصين لمنعها من إستعادة هونج كونج لحظيرة الوطن الأم . و خلافا للنجاح الذي حققته في تدمير الإتحاد السوفيتي السابق ، من خلال تجنيد عملاء لها على المستوى الداخلي في دول الإتحاد السوفيتي السابق ، و فبركة تقارير في مجال إنتهاك حقوق الإنسان في دوله ال 25 ، وجدت هيومان رايتس ووتش نفسها مشلولة تماما حيال تحقيق نفس النجاح في الصين التي وقفت لها و لعملائها بالمرصاد . فعندما عملت المنظمة على إثارة المعتصمين و المتظاهرين في ميدان تيان أنمن ، في وسط العاصمة الصينية بكين، في 1989 ، قام الجيش الأحمر الصيني بدهس أكثر من 10 آلاف متظاهر بالدبابات، لحماية الصين من التدمير و التفتيت .

و عندما يوجه البعض اليوم اللائمة لقادة الصين بخصوص إبادة 10 آلاف صيني في ميدان تيان انمن ، تكون الإجابة" نعم لقد أبدنا 10 آلاف من المخدوعين بالديمقراطية و بحقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية ، لكننا أحيينا مليار و نصف مليار صيني لتعتلي بلدنا الصين اليوم بفضل وطنية أولادها قمة دول العالم على المستوى التجاري" . و يتوقع أن تطيح الصين بأمريكا خلال سنوات قليلة من على قمة الدولة الإقتصادية الاولى في العالم بعد أن تحولت الصين لمصنع العالم .

و عودة لمصر سنجد أن هناك تساؤلان يتطلبان البحث عن إجابة عليهما. التساؤل الأول هو لماذا تحرص هيومان رايتس ووتش على إظهار المصريين المدنيين في شمال سيناء كما لو كانوا ضحايا للقوات الوطنية المصرية ، و للجماعات الإرهابية ، التي تطلق عليها المنظمة في معظم الأحيان المسلحين المتطرفين، و ليس تنظيم داعش الإرهابي .


الإجابة على التساؤل الأول تكمن في حرص هيومان رايتس ووتش، التي تتخذ من ناطحة سحاب ،إمباير ستيت بنيويوك مقرا لها ، على توفير ملاذا آمنا للإرهابيين بتمهيد الطريق أمامهم للإختباء بين المدنيين ، بعد أن نجحت القوات المصرية في تضييق الخناق عليهم في جحورهم ، و كهوفهم ، في سيناء ، و لم يعد أمامها في تقديم العون للإرهابيين سوى محاولة العثور لهم على مأوى آخر بعد أن نجحت القوات الوطنية المصرية في رصد و تدمير معظمها . و تعتقد هيومان رايتس ووتش، أن العمل على توفير ملاذا آمانا للإرهابيين بين المدنيين ، سيجعل الإرهابيين بمنأى عن أيدي أبطال القوات المسلحة و قوات الأمن المصرية . و ما لا تعرفه هيومان راتس ووتش هو أن القوات المصرية، لا تهاجم الإرهابيين عندما يلجأون للإحتماء بالمدنيين، لكنها تكتفي برصد الفارين منهم عقب قيامهم بعملياتهم الخسيسة، ثم تنتظر خروجهم من بين صفوف المدنيين ، لتنقض عليهم لمنعهم من القيام بعلميات جديدة .و ما لا تعرفه أكثر هو أن أبناء سيناء تاريخ طويل من الوطنية، منذ 1948 ، مرورا بحربي 1956 ، و 1967، و حرب الإستنزاف، ثم إنتصار أكتوبر 1973 ، إلى أن تم تحرير آخر شبر من أرض سيناء بتحرير طابا . و لا يمنع ذلك ، أن تخرج قلة معدودة على أصابع اليد من السيناويين عن الوطنية ، نظرا لتضرر أعمال هذه القلة في مجال تهريب السلاح ، و الإتجار بالمخدرات، و تهريب البضائع و الممنوعات ، خاصة البضائع المقلدة ، بعد إغلاق الأنفاق مع غزة، لكن ذلك لا يعني أن السيناويين، بتاريخهم الوطني المشرف ، سيسمحون لهذه القلة بإتخاذ منازلهم ملاذا آمنا . و خلافا لما تعتقد هيومان رايتس ووتش ، فإن الإنتماء الوطني لدى السيناويين يتغلب تماما على الإعتبارات القبائلية ، و البدوية ، عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري .

أما التساؤل الثاني ....لماذا تولي هيومان رايتس ووتش كل هذا الإهتمام بتشجيع الإرهاب في سيناء ، على وجه التحديد لدرجة أن تقريرها الأخير حمل عنوان " اللي خايف على عمره يسيب سيناء ". و المثير للدهشة أن التقرير تغلف بلهجة تعطي الإنطباع بأن ما يجري في سيناء، لا يتعلق بجهود دولة تكافح الإرهاب في مواجهة عصابات إرهابية مسلحة بل يتعلق بمعارك حربية طاحنة ، بين قوتين عسكريتين متساويتين، و ليس بين أقوى عاشر جيش في العالم ، و بين عصابات إرهابية مسلحة، لا يزيد عدد أفرادها عن المئات ، يخرجون من آن لآخر من جحورهم، التي تم رصد معظمها ، لشن عمليات إرهابية يائسة ، بعد أن أصبحت القوات المصرية قاب قوسين أو أدنى من إستئصال جذور الإرهاب في سيناء.

هذا التساؤل يحمل عدة إجابات، أولها بكل تأكيد إثارة الفزع و الخوف في قلوب المستثمرين لإعاقة عمليات التنمية الشاملة التي بدأت الدولة المصرية في إطلاقها في جميع أرجاء سيناء، خاصة في الشمال السيناوي ، الذي يمثل بؤرة توتر، نتيجة إهمال التنمية في هذه المنطقة لسنوات طويلة ، ما أدى إلى إعتماد جانب من أبناء الشمال السيناوي على كسب أرزاقهم من خلال الأنفاق التي يتم حفرها من غزة، و التي كان يستخدمها الإرهابيون في تهريب السلاح للداخل المصري . و يكفي معرفة حجم المشروعات التي تنفذها مصر حاليا في مدن القناة، و سيناء، للتعرف على مدى القلق الذي ينتاب أعداء مصر من عملية التنمية الشاملة لسيناء ، بعد ربطها بمدن القناة عبر أنفاق تحيا مصر . و تنفذ حاليا الحكومة المصرية 994 مشروعا بمدن القناة و سيناء بتكلفة قدرها 795 مليار جنيه .

و تدرك هيومان رايتس ووتش أن تنمية سيناء تعني تدفق الإستثمارات المصرية ، و العربية ، و الدولية على سيناء لإستغلال ثروات و كنوز أرض الفيروز، و في المقابل يعني إستمرار التوتر و غياب التنمية ، منح قبلة إعادة الحياة للإرهاب الذي يحتضر ، مهما إتخذت الدولة المصرية من إجراءات أمنية لتأمين سيناء .

و ينتظر أن يأتي على رأس ثمار عملية تنمية سيناء و مدن القناة ، نقل الكثافات السكانية من وادي النيل و الدلتا إلى سيناء . فمصر شعب شاب، تخطى حاجز المائة مليون نسمة ، و يتزايد عدد سكانه سنويا بمقدار ، 5ر2 مليون مواطن . و يعني توطين المصريين بالملايين في سيناء إحباط أكبر مخططين لأعداء مصر، أولهما : إحباط ما يطلق عليه صفقة القرن بأمل توطين الفلسطينيين في جزء من أراضي شمال سيناء ، و ثانيهما : القضاء على أي خطط مستقبلية لإحتلال سيناء من جديد . فكلما تزايدت الكثافة السكانية المصرية على أرض الفيروز، كلما تبخرت و تلاشت أحلام إعادة إحتلال سيناء . فالتاريخ سطر في سجلاته ، أن المقاومة الشعبية المصرية، في بورسعيد ، خلال العدوان الثلاثي على مصر ، في 1956، أجبرت أكبر جيشين في العالم ، في ذلك الوقت ، و هما الجيشين الفرنسي ، و الإنجليزي ، على الجلاء عن منطقة القناة ، في حين كانت إسرائيل قد تمكنت من إحتلال سيناء بسهولة خلال حربي 1956 ، و 1967 ، بسب ضعف الكثافة السكانية المصرية في أرض الفيروز بعد أن إضطر الجيش المصري للإنسحاب من سيناء لحماية مدن القناة .

أما أكثر ما يقلق صهاينة هيومان رايتس ووتش ، هو إتجاه مصر للإستفادة من تصنيع 16 خامة معدنية في سيناء قادرة على تشغيل آلاف المصانع، و جذب أكثر من 6 ملايين مصري لسيناء، في حين لا يزيد عدد سكان سيناء في الوقت الحالي عن نصف مليون نسمة .

و لا أفضل من قرار الرئيس ، عبد الفتاح السيسي ، بمنع تصدير الرمال البيضاء الخام ، ليتبين لنا ، أهمية الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها مصر في سيناء . فالرمال البيضاء ثروة مصرية مهدرة، قادرة على جلب عشرات المليارات من العملات الصعبة لمصر . فالرمال البيضاء المصرية، لا سيما الموجودة في سيناء ، تتكون من 99 في المائة من خام السليكون، الذي يعد اليوم من أهم المواد المستخدمة في الصناعات التكنولوجية الحديثة . فعلي سبيل المثال ، تبيع مصر الرمال البيضاء في شكلها الخام لتركيا بنحو ، 20 دولارا للطن، فتعيده لنا تركيا مصنعا في صورة زجاج ، و أكواب، و تحف زجاجية، بما قيمته عشرين ألف دولارا للطن ، في حين تعيده لنا الصين في صورة ألواح شمسية ب 50 ألف دولار ، و يصل سعر طن الرمال البيضاء ل 100 ألف دولار ، عندما يعود لنا في صورة رقائق إلكترونية .و لا يتطلب لكي تنهال مليارات الدولارات على مصر جراء تصنيع الرمال البيضاء ، سوى إقامة مصنع تبلغ تكاليفه 2 مليار دولار .

و بالنظر لأبواب التنمية التي يفتحها تعمير سيناء أمام المصريين ، لم أستغرب من تهويل هيومان رايتس ووتش للعمليات الإرهابية المحدودة في سيناء، لدرجة بلوغ تهويلها إلى وصف ما يحدث في سيناء بأنه ، نزاع مسلح ، و أن الأطراف المتحاربة ، إنتهكت قوانين الحرب الدولية ، و قوانين حقوق الإنسان المحلية ، و الدولية .و لا أبلغ من الرد على تهويل هيومان رايتس ووتش الصهيونية بشأن سيناء من تصريح كبير الصهاينة إريل أريل شارون ، رئيس وزراء إسرائيل السابق، عندما وصف مخاطر تعمير سيناء بأنها " أشد فتكا على إسرائيل من القنبلة الذرية " .