الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شريف الغريني يكتب: أًقسم بالله العظيم

صدى البلد

كنت أعُض على أصابع الندم والألم عندما سمعتُ وشاهدتُ فى الميديا مرشد الضالين المضلين السابق ، وشهرته مهدى وهو عن الرشاد والهدى بعيدُ بعد السماء عن الأرض،وهو يقول إن الوطن حفنة من التراب العفن! وسر ندمى كان لأنه يتحدث للناس بشجاعة وصراحة ملك مسيطر يحكم قطيعا تافها من عبيد ويطيح بقيمهم الوطنية بلا أدنى وجل ،

أما سر ألمى ؛ فكان لأنى لم أكن متواجدا أمامه لأُعَلمه أن الوطن هو تراب الآباء والأجداد وهو بالنسبة للمصريين مقدسا طاهرا،أما إذا كان تراب أجدادك عفن فعليك أن تعي أنه تراب مستورد من حيث أتيت أنت وكل من اتبعك من الغاوين ، وهذا ما دفعنى للتشرد لفترة بين التاريخ والأنثروبولوجيا و السوسيوبولتيك باحثا عن سؤال؛ كيف يمكن لشريحة من المجتمع و حاملى الجنسية أن تفكر كما يفكر هذا المدعى وأتباعه ؟

تجولت فى الكتب بعين تقرا وعين تتساءل إلى أن دفعتنى مجاديف وشراعات القراءة إلى فصول من التاريخ تتحدث عن التنصيب ومراسمه وتطوره وأُصوله ،لم أكن أتصور أن إجابة سؤالي ستكون فى هذا الفصل الذى تعرفت فيه على أصل طقس اليمين الدستورية و الصيغ التى يتلوها الحكام والمسئولون لدى توليهم السلطة ، قد تختلف عبارات اليمين أو القسم ومكانه ووقته من دولة إلى دولة باختلاف ما يرد بدستور كل دولة، واتضح لى أيضا أن أداء اليمين لا يقتصر على الملوك والرؤساء بل قد تمتد إلى كل من تولى مسئولية أو سلطة أو شأن عام.. علاوة على اليمين المهنية مثل يمين إبقراط الذى يؤديها الأطباء قبل التكليف و تقول المعلومات التاريخية إن بداية هذه الطقوس خرجت فى مصر القديمة عندما كان الملك يقدم نفسه للشعب كإبن لأحد الآلهة والمعبودات مؤيدا بقوة الآلهة الخارقة وكان المصدر الثانى فى العصور الوسطى هو الكنيسة الغربية عندما كان الملك يجمع بين سلطة الدين والحكم فى عصور الحكم الثيوقراطى وعلى هذا أصبح الملك مانحا للألقاب وهو ما صنع االطبقيات فى كل ممالك أوروبا فى عصور الإقطاع المبنى على اقتطاع أجزاء من الأرض لحاملى تلك الألقاب. 

فمن لقب نبيل إلى وجيه إلى فارس أو شيخ وحتى لقب أمير، تعددت الكلمات والنصوص والحركات لكن الأصل فى اليمين هو منح السلطة و التبجيل لمؤدى اليمين فى شق و إقراره بمسئولياته تجاه الرعية فى شق آخر من اليمين ، لكن الأمر فى الشرق العربى بعد الإسلام أتى فى صورة بيعة والتى بها يعاهد الرعية الأمير المحتمل لخلافة من سبقه فى الحكم على الولاء والطاعة الكاملة وهو ما كان يحدث مباشرة بأن يشد يد نقباء الوفود الممثلة للقبائل على يد المرشح للخلافة كمعاهدة يشهد عليها الشهود من أكابر القوم ،ولكن كل هذا تحول فى العصر الحديث فى كل العالم تقريبا إلى خَيار انتخابى مباشر والذى علي أساسه يتقدم من اختارته الأغلبية ليؤدى أمام السلطة الأعلى هذه اليمين الدستورية.

 ولأن الشعب هو السلطة الأعلى فى العصر الحديث نجد أن مكان تلاوة اليمين فى مصر والعديد من بلدان العالم المعاصر هو البرلمان.

قصدت بهذه المقدمة أن اشير إلى أن هذه اليمين قد تكون الحل السريع والعلاج الناجع لأورام التراب العفن فلو أن لكل مواطن يمين يتلوها إلزاميا وليكن فى محفل جماعي وبشكل رسمي عندما يصل الفرد إلى سن الإدراك وليعقد هذا المحفل شهريا لكل من بلغ أوان استخراج البطاقة الشخصية والمهم أن يكون القسم مفهوما محددًا لمسئولية المواطن تجاه المجتمع والدولة والبيئة، 

وهذا المقترح وإن بدا غريبا اليوم فإنه يتشابه مع ما ورد فى اناشيد اخناتون . منذ الاف السنين ، فكم نحتاج اليوم إلى الإتفاق على ما يجب أن يتوفر فى المواطن الصالح! الذى سيؤدى اليمين التى ستلزمه وتعَلمه واجباته ومسئولياته التى من أجلها يجمل جنسية هذا الوطن، وكم أتمنى أن يصل ذلك للجميع على أنه شكل من أشكال العقد الإجتماعى و أحد أدوات المجتمع فى ترسيخ مفهوم الوفاق العام والإتحاد تحت قيم وطنية لا يمكن العبث معها أو المساس بها تحت أى مسمى مستحدث معد مسبقا لإستدراج القيم الوطنية ومحاصرتها بقيم ظاهره الحقوق والحريات وباطنها العفن والخيانة ، 

ذلك ركن أساسي فى رسم صورة الحاضر والمستقبل معا ، وأحسب أن يعكف على وضع هذا اليمين كوكبة من المفكرين والفلاسفة وعلماء الإجتماع وبالطبع لا يجبأن تتوقف الأمور عند الطقس شكلا بل تنتقل إلى أن تكون هذه اليمين مُلزمة ذات أثر قانوني على من يؤديها وشرطا لإستخراج شهادة تقر له بمواطنته وجنسيته بشكل تعاقدى بين الفرد وموطنه يتيح للأمة مقاضاة كل من أقسم على بنود المواطنة ثم خالف ما أقسم عليه بعقوبات يعجز عن صياغتها الفقهاء والقانونيون ومنها على سبيل المثال وليس الحصر؛التوقيف لإعادة التأهيل القومى فى مؤسسات معدة لذلك أو الحرمان من النشاط السياسي إما نهائيا أو لفترة محددة أو الحرمان من التصويت أو الجنسية أو بعض المزيا التى لا تتاح إلا لحاملى الجنسية على أن يصاحب ذلك بقية العقوبات الأخرى المنصوص عليها فى نصوص القانون بأقسامه ، 

وللتوضيح نسوق هذا المثل : نفترض ان القسم أو اليمين فى أحد بنوده يشتمل على التعهد بدفع الضريبة بإعتبار ذلك التزاما قوميا وعنصرا رئيسيا من عناصر المواطنة ونفترض ثبوت تهمة التهرب على أحد المواطنين ، سيكون وفقا للمقترح الذى نحن بصدده أن يعاقب هذا المواطن بقانون التهرب الضريبى التقليدى علاوة على قانون الحنث باليمين الدستورية وبالطبع لكل قانون عقوباته .وفى هذا أود التذكير والتأكيد أيضا وبشدة على ضرورة أن يحاكم المسئول مرة على مخالفاته كمواطن ومرة على مخالفته لليمين الدستورية ، وقِس على ذلك كل ما ننشده من قيم وطنية تخدم وجود الأمة وتعمل على توحيدها وتنبذ كل ما دون ذلك.