الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يعملوها الكبار ويقع فيها الصغار.. بسطاء ذاقوا الخسارة مرتين بعد هزيمة المنتخب الفادحة

صدى البلد

على أحد الأرصفة، جلس الشاب العشريني الذي أثقل الحزن كاهله حتى تثاقلت خطواته فلجأ إلى الرصيف لضبط توازنه، تبحلق عيناه على كيس ممتلئ بجواره، فأخذ تنهيدة طويله ينفس عما بداخله، يحول بعينه إلى ما بين يديه في حسرة، يخلع قبعته ويضعها جانبا، فتمر يداه على وجهه الذي رطبته دموع سقطت من عينيه عنوة دون سابق إنذار، ليذوق طعم الخسارة مرتين، أولهما هزيمة منتخب مصر وثانيهما خسارة تجارته في الأعلام بعد خروج مصر من بطولة كأس الأمم الأفريقية.



يسيرون في الشوارع مرفرفين أعلامهم، تزينت الطرقات وتلونت بالأحمر والأبيض والأسود، وأشعلوا أجواء الوطنية في الأرجاء حتى لم يخل شارع من علم مصر أثناء الفترة القصيرة منذ بداية البطولة، وقبل ساعات من بدء مباريات منتخب مصر ضمن مباريات كأس الأمم الأفريقية، تجدهم يحلقون في كل مكان كالفراشات، مرتدين قبعاتهم الملونة، وصفاراتهم في أفواههم، اعتبروه موسما لهم لبيع الأعلام التي لا تخرج سوى لمساندة المنتخب الوطني في بطولاته.

بضعة ساعات فقط وانقلب الحال عليهم، كابوس حط على ملايين المصريين أمس، جعلهم يضربون أيديهم كفا بكف بعد هزيمة المنتخب القومي من منتخب جنوب أفريقيا في المباراة التي جمعتهما أمس، والتي انتهت بفوز الأخير بهدف نظيف دون رد، ليودع منتخب مصر البطولة مبكرا، التي استضافها على أرضه، وبعيدا عن حزن لاعبي المنتخب والشعب المصري، كان آخرون الأكثر تعاسة وحزن. 


" محمد عبد الله" ، يبلغ من العمر 15 عاما، استغل عطلته الصيفية لبيع الأعلام في الشوارع، موسم البطولة يعد مناخا خصبا لهم، ولأول مرة تسمح له والدته لنزول الشارع، ولكن الحاجة للمال جعلت الأسرة تلجأ إلى عمالة أطفالها، تنقل الطفل في منطقة شارع العريش بالهرم، وبخفة تجول بين السيارات، خفة ظله جذبت الزبائن فأجبر قلوبهم على شراء الأعلام منه دون غيره، برع في تنويع عباراته وغنى الأغاني الوطنية التي تنشد في مثل تلك المناسبات، سعادة غمرت الفتى الصغير لم يعكرها سوى هزيمة المنتخب أمس.



ظل محمد حبيس الشارع أمس لساعات طويلة، ينظر إلى زملاؤه الذين حللو المباراة وقيموا أداء المنتخب وانتقدوه، استمع إليهم ولكن في باله سؤال واحد، ماذا يخبر والدته التي اعتمدت عليه في تحمل بعض من مصاريف المنزل التي زادت على الأسرة، حبس دموعه كالرجال حتى لا يبدو كالطفل بينهم، ولكن لم تسعفه عيناه فانهمرت دموعه، حزنا على العمل الذي لم يكد يبدأ حتى انتهى، وعن أحلام وضعها تبددت، وعن مسئولية أخفق فيها في أول تجاربه.

حال محمد وزملاؤه لا يقتصر على شارع العريش فقط، وتكرر المشهد في شوارع مصر، وافترش الباعة الأرصفة في حسرة وإحباط، متسائلين عن مصير تلك البضاعة التي ستعود مخازنها دون أي مكاسب، لتفسد تجارة اعتمد عليها الاف الأسر ووضعوا عليهم آمالاهم التي تبددت مع خسارة المنتخب.