الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شريف الغريني يكتب: معركة الكتاب والرغيف

صدى البلد

ماذا لو كان التعداد السكانى فى زيادة يقابلها انخفاض فى تعداد من يقرأون؟

الإجابة مزعجة ومخيفة.. لا يمكن أن تتصور الأثر الكارثى ولا مدى صعوبة الحياة الدنيا كلما كان البعد الثقافى غائبا عن خطط الدولة والمجتمع والأسرة ..أتفهم أن الدولة فى مصر تكابد تحديات عظيمة وأتفهم أنها تسعى فى كل درب وتسابق الزمن لبناء أمة جديدة وتعمل كل ما فى وسعها لتحسين جودة حياة المواطن، وأتفهم بالطبع أن بعض الملفات مؤجلة لأن إدراك كل شىء فى وقت واحد أمر مستحيل، لكنى لا أستطيع أن أتفهم أن يكون ملف الثقافة بالذات من بين الملفات المؤجلة، ذلك لأن الثقافة فى مجملها دين يصنعه المجتمع بمكوناته وآلياته ومنابرهومورثاته، وكلما غابت المعرفة وكلما توارى العلم، تراجع التفكير العلمى وانهار العقل والمنطق وسادت الخرافات والأباطيل و أصبح الجهل ركنًا من أركان هذا الدين الإجتماعى الذى سيحتاج بالطبع إلى تدخل السماء لتضع بداية جديدة بعد أن فشل المجتمع فى استخدام العقل والمعرفة ..فالجهل رأس كبيرة من ثلاثة رؤوس فى مثلث كلنا يعرفه  ولا أعتقد أن هناك وسيلة أسرع لكسر هذه الرأس إلا الإطلاع المستمر والتفكير المستمر والإبداع دون وضع نهاية للتعلم بإنتهاء سنوات التعليم الرسمية فالتعليم عملية مستمرة ولا بد من استمرارها المستمر لدفع عجلات التغيير والتطوير، فالأمم المتقدمة فى الغرب أو الشرق والتى ارتضينا العيش على إبداعاتها التكنولوجية والفنية والحياتية ونستهلك ثقافتها ونتكالب عليها هى أمة ((إقرأ)) بحق ، أما نحن فمازلنا فى تخبط وسنبقى فى تخبط ما بقى الكتاب والفكر بعيدا عن إبط الأمة " افيقوا يا أمة السكر والأرز والسولار بكام "..


كنت أعرف رجلا فقيرا فى ماله كثيرا فى عياله، يعمل فى شركة من شركات القطاع العام بأجر زهيد وكان على رأس كل شهر يتعارك هو وزوجته لأنها كانت تطلب منه أن يقلل من مصروفه على الكتب والدوريات ويزيد فى مصروف البيت.

تمر الأيام ويتكرر مشهد المعركة الشهرية التى ينتظرها الأبناء بين الكتاب والرغيف، قبل المعركة بأيام يجتمع الأولاد والبنات فى غرفة يتمثلون المشهد المتوقع فيلعب أحدهم دور الأب المتمسك بالكتاب وتلعب البنت الكبرى دور الأم مرددين حوارًا طالما دار بين الأم والأب ؛ يبدأ هادئا وينتهى بتوعد الأم بمغادرة المنزل إذا استمر الأمر على هذا الحال، رغم صعوبة الحياة لم ينزل الأب على مطالبها ولم تغادر الأم المنزل ولم يمت أحد من أهل البيت جوعا واستمر الكتاب ينازع الرغيف سلطانه كل شهر حتى كبر الأولاد والبنات بأى حال، ومات الرجل فقيرا كما هو تاركا أسرة كبيرة من ذكور وإناث، لكنك، لا يمكن أن تجلس مع واحد منهم أو واحدةإلا وتشعر بأنها أغنى الناس وأكثر خلق الله وعيا بدرجة تشعر معها بضآلتك عقليا وإنسانيا مهما كان مقدار ما لديك من مال أو مكانة أو حكمة..حقًا صدق من ميز بين العلم و ما سواه وصدق الله العظيم حيث قال : (هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ).