الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: برج عاجي

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

- ماذا يفعل الرجل عندما يرى امرأة جميلة؟

هكذا سألتني وهي تحدق في عيني، وعلى شفتيها ابتسامة ماكرة، مُستندة بمرفقيها على ركبتيها ليكون وجهها قريبًا من وجهي وكأنها تنصب لي فخًا.

أجبتها دون تفكير، وأنا أتخذ نفس هيئتها، مُستندًا بمرفقيَّ على ركبتيَّ حتى لامست أصابعي أصابعها، وشعرت بأنفاسها تتصاعد ببطء في اللامسافة الفاصلة بيننا:

- يتخيلها عارية

عادت للخلف في فزع حتى تكاد تقع من على الكرسي وهي تقول شاهقة:

- يالا الشيطان

ثم اعتدلت، وقالت وهي تشير بسبابتها نحوي في تحدٍ:

- إياك أن تكون فعلت هذا معي

قلت والهدوء يعضد موقفي:

- لا

قالت في ضيق وهي عابسة الوجه:

- أنت إذن لا تراني جميلة

أجبت، وأنا أمد يدي لتحتضن يدها لأطرد ضيقها وعبوسها:

- أنت بعيني أجمل امرأة

سحبت يدها من يدي وهي تلتفت حولها، وقالت في أنوثة ودلال:

- فلماذا لم تتخيلني عارية ؟!

قلت في دهشة واستنكار:

- لأني أحبك

زمت شفتيها، وقطبت ما بين حاجبيها وسألتني في تعجب واستغراب:

- هذا أدعى لتتخيلني

كدت أضحك، ولكن تبخر الضحك من شفتيَّ حتى لا أزيد انفعالها الذي بدا واضحًا شيئًا ما، وقلت بصوت متقطع:

- جسد المرأة العاري يصيبني بالغثيان

مالت مُندفعة برأسها نحوي، وقالت وهي تضغط على أسنانها:

- وماذا ستفعل عندما نتزوج ؟!

لم تعطني أي فرصة للرد، وقالت وقد زاد انفعالها حتى بلغ أوج قوته، فخرجت الكلمات من فمها كانفجار قوي زلزل كياني، ولولا أن صوت المترو القادم غطى صوتها، لجذبت كلماتها كل من في المحطة حتى شباك التذاكر، ولكن سَمِعَها فقط من كانوا يقفون على مقربة منّا، فتعلقت أبصارهم بنا، حتى بعد ما ركبوا المترو كانوا بعضهم ينظر نحونا من وراء الزجاج:

- ستتقيأ عليِّ

وأخفت وجهها في راحتيها وأخذت تبكي

لم أملك خيارا غير الجلوس بلا إحساس كتمثال، فلو أخبرتها بما يدور في رأسي، فأقل شيء تفعله أن تصفعني وتبصق في وجهي، قبل أن يمتلئ رصيف المترو بالمزيد من الناس.

نظرت نحوي، وقد غسلت الدموع عينيها فصارت نقية صافية كما السماء بعد هطول المطر، وقالت بصوت متهدج:

- هل تخيلت امرأة ما

فحركت رأسي يمينا ويسارا قائلا في صمت:

- لا

ابتسمت في سخرية قائلة:

- إما أنك تحاول أن تخبرني أنك رجل مختلف، وإما أنك لست برجل.

لم يكن لدي ما أرد به عليها، فالعجز يكون أحيانا أبلغ تعبير عن الغضب الكامن في أعماق النفس، ثم وجدتني أقول وصوتي يتردد بين القوة والضعف:

- عندما أراد الله أن يجمع جمال الكون في شيء واحد جمعه في المرأة… ولكننا نلوث كل جمال.

استندت بهدوء لظهر الكرسي، ونظرها عالق في الظلام الممتد في نفق المترو، ثم حركت رأسها لأعلى وأسفل وكأنها تؤكد لنفسها فكرة ما، ثم قالت بوجه خالٍ من أي تعبير:

- آه… أنت تتحدث من برجك العاجي

قلت وأنا أستجمع هدوئي الذي بعثرته كلماتها:

- لا أبراج عاجية من عالم من الزومبي

قالت بلهفة:

- الآن فقط أدركت لماذا لا تحب أفلام الرعب؟!

أطرقتُ، وقد تحولت كل حواسي إلى حاسة السمع فقط

فسمعتُ صوتًا ملؤه الحزن يقول:

- لأنك ترى أن الحياة نفسها فيلم رعب نعيشه جميعًا.

ثم ضربت على جبهتها بيدها وكأنها توصلت لحل لغز ما، وأشارت إليِّ بعنف وهي ترمني بنظرات كسكين حادة قائلة:

- إذن… هذا ما يجعلك دائمًا تؤجل ارتباطنا

انتابتني قشعريرة، فأحسست أن أسرابا من النمل تمشي أسفل جلدي، بعد ما قرأتَ ما يدور في خلدي، ولم أرد أن أخبرها به منذ قليل خوفًا من أن تصفعني وتبصق في وجهي، لذا قلت بصوت خجول، وأنا أنتظر أن تفعل حتى بعد ما ازدحم الرصيف:

- الزواج أكبر خدعة تخدعنا بها الطبيعة لتستمر الحياة

تجمعت أسفل عينيها دمعة، شعرتُ بها وهي تسقط متدحرجة كحجر صغير على وجنتيها، وقالت في وجوم وأسى، وهي ترمقني بنظرة رقيقة حانية ذكرتني بأمي:

- يوماً ما ستنتحر

أجفلتُ حتى لا تقرأ الإجابة في عيني، وصفارات الإنذار تعلن قدوم قطار، فهممتُ واقفا لأنهي الحوار، ولكنها سبقتني بخطوة، وألقت نفسها أسفل المترو.

مددت يدي إليها، وأنا أتمنى لو أخبرها أني تخيلتها عارية، ولكني كنت مُكبلًا من يديَّ وقدميَّ بأحزمة جلدية في سرير بمستشفى للأمراض العقلية .. كان برجي العاجي.