الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشـا شـكر تكتب: رحيل عاشق السينما.. يوسف شريف رزق الله

صدى البلد

فقدت مصر والوطن العربي والمجتمع السينمائي إنسانًا خاصًا جدًا لا يتكرر كثيرًا أو أصبح لا يتكرر
عرفنا يوسف شريف رزق الله من خلال برامج التليفزيون المصري السينمائية ومن خلال برامج تغطية المهرجانات العالمية من خلال طلة هادئة ومثقفة تتسم بالاتزان الشديد على شاشات التليفزيون ومن خلال إعداده لأحد أهم البرامج السينمائية وهو نادي السينما. 
جاءت اختياراته للأفلام الأجنبية التي شاهدها ملايين المصريين عبر سنوات وتحليله النقدي لهذه الأفلام من أهم الوجبات الثقافية التي تلقاها المشاهد المصري والعربي وشكلت ثقافته ووعيه بالفن السينمائي في زمن اللا-إنترنت، فالإضافة إلى أن البحث كان مسئولية فقد كان أيضًا شاقًا وذلك للوصول للمعلومات الثمنية التي كان تصل المجتمع في ذلك الوقت بعد كتابة رأي نقدي محترم يشاهده الكبير والصغير.
نادي السينما لم يكن مجرد برنامجًا عاديًا أتذكر وأنا طفلة كانت عائلتي تنتظر اسم الفيلم الذي سيعرضه نادي السينما وتنتظر أسماء نجوم الفيلم والعرض النقدي الشيق للفيلم والذي قدمته دكتورة درية شرف الدين لسنوات مع الأستاذ يوسف شريف رزق الله.
وبالرغم من نجاح البرنامج وحقبته الذهبية فالسينما ليوسف شريف رزق الله لم تكن برنامجًا عابرًا في حياته فالسينما كانت هي حياته وأتت إليه في أشكال عدى وتحققت له من خلال قنوات متعددة.
وبالرغم من تدرج الأستاذ يوسف شريف رزق الله في العديد من المناصب داخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري إلا أننا لم نعهده قط يركن إلى الوظيفة الحكومية وقيودها وفي نفس الوقت لم يقصر في مسئولياته الوظيفية والرائع إنه لم يبخل على حبه وشغفه بالسينما أيضًا فكانت له بحق عشق بجانب كل شيء يقوم به من مهام ومسئوليات وظيفية. تركيبة خاصة ومميزة جمعت بين الإبداع السينمائي والنقدي والإدارة الخلّاقة التي تقترب من جميع العاملين في الحقل التليفزيوني والسينمائي والمبدعين بشياكة وأناقة.
تفوق في ثقافته السينمائية ولكن دون تكبر أو غلاظة. جعل من تفوقه الثقافي أداة جذب لكل عاشقي السينما من الهواة والمحترفين. الكل ينظر إلى يوسف شريف رزق الله على إنه موسوعة السينما المصرية والعالمية ولكنه دائما كان حاضرًا وقريب وممتع الحديث عنها.
وحدث بالصدفة إني تعرفت عليه بشكل وجيز من خلال قناة النيل الدولية حيث التحقت للعمل كمراسلة لبضعة شهور ربما أسابيع قبل انتقالي للعمل في العاصمة الإمريكية واشنطن. ثم كان آخر لقاء لي به منذ سنتين في ٢٠١٧ وكنت متواجدة بالصدفة في مكان يستضيف فاعليات وضيوف مهرجان القاهرة السينمائي. وبين اللقائين وبينهما سنوات كثيرة لم يتغير الأستاذ يوسف شريف رزق الله في ترحابه وابتسامته وسؤاله على وعلى متابعتي للسينما وللمهرجان وعندما سألته عن أخباره وصحته أخبرني بإنه أصيب بفشل كلوي ونزل علي الخبر كالسيف ولكنه كان هو الذي يحاول يخفف وطأة الخبر بخفة روحه ومحاولته للمداعبة. كم كانت له روح المحارب أمام المرض .. المرض قد يهزمنا بدنيًا ولكنه لا يهزم الأقوياء إنسانيًا أو معنويًا وتلقيت منه درسًا آخر ذلك اليوم في الثبات والقوة فقد كان يمارس مهامه في مهرجان القاهرة السينمائي بابتسامته المعتادة وجديته المسئولة.. والحقيقة لا أعلم كيف سيمر مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام دون يوسف شريف زرق الله.. هذا المحارب الشجاع في صمت.
لم يجمعني بالأستاذ يوسف شريف رزق الله عملًا مباشرًا أبدًا ولكن كان لنا عدة لقاءات وغالبًا كانت تحدث صدفة. الدور الذي لعبه الأستاذ يوسف في تشكيل الوعي والوجدان والثقافة السينمائية للمجتمع من خلال البرامج السينمائية كانت جزء من تكوينه الإنساني. ربما دورًا مارسه مع جميع من صادفهم في الحياة .. عشقه وحبه للسينما كان دورًا يلعبه بصدق وليس وظيفة أو وجاهة اجتماعية. كان وصلة الهمز بين فن راقي له رسالة ومجتمع ينتظر هذه الرسالة والحقيقة قد كان خير من يُؤتمن على وصول هذه الرسالة. لم نسمع قط عن الأستاذ يوسف شريف رزق الله وقد أثار جدلًا يشمئز منه المجتمع.. محبته الصادقة للسينما كانت رسالة احترام ورقي وصلت للمجتمع كله..
كان الحديث معه عن السينما متعة حقيقة ودائما ما تشعر معه بأنك قزم أمام معلوماته وعدد الأفلام التي شاهدها ولكنك لا تشعر أبدًا معه بالضآله لأنه كان رسول حب للسينما وفنها الراقي وليس منفرًا منها.
تلقيت خبر وفاته بحزن شديد ولكن أيضًا بامتنان شديد لإنني كنت محظوظة بالرغم من فارق الأجيال إنني تعرفت على هذه القامة المصرية السينمائية وأتذكره بتشجيعه لي بمشاهدة مزيد من الأفلام وقد تحققت أمنيته لي لأني عملت خارج مصر في أحد الوظائف وقد تطلبت مشاهدة مئات الأفلام والكتابة عنها وزاد مع مشاهدتها حبي للسينما بكل أنواعها ولغاتها، اتذكره الآن بكلماته الوجيزة المقتضبة وبرقي شخصيته وبثقافتها وأتذكره أيضًا بإنسانيته
يوسف شريف رزق الله مسيرة حب شغوفه بالسينما .. مسيرة مميزة غابت فيها الفهلوة وحب الذات وحب الظهور المبالغ فيه والاستئثار بالرأي والمشهد الاتجار بالثقافة والتجارة بالمناصب.. مسيرة إنسانية ومهنية بزغت فيها قيم راقية محترمة سنفتقدها كثيرًا مع رحيل جيل من العظماء واحد تلو الآخر..