الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علاء عبد الحسيب يكتب : صاحبة الجلالة.. سفينة "حائرة" وشباب "محبط" !

صدى البلد


لا أحد يعلم حتى قراءة هذه السطور إلى أي اتجاه تتحرك سفينة الإعلام في مصر .. جو المهنة أصبح ملبدا بالغيوم .. الأبواب كلها مغلقة أمام الجموع الغفيرة من الأجيال الجديدة التي تتخرج كل عام من كليات وأقسام الأعلام.. الملايين من الشباب المحبط رفع مبكرا راية الاستسلام أمام التحديات التي تضرب سوق الميديا.. غير قادرا علي الخوض في رحلة كفاح وصبر مرهقة ودون ضمانات للوصول إلى المراد..


المشهد العام صعبا ولا أبالغ إن قلت معقدا.. فصاحبة الجلالة مريضة جدا وسوق الميديا متدن للغاية .. الكل أصبح صحفيا يكتب مقالا ويرصد مخالفات وتجاوازت وابتزازات وممارسات غير أخلاقية .. والكل أصبح إعلاميا يدير الحوارات علي الشاشات ويستقطب الضحايا والمتعارضين مع المصالح علي الهواء مباشرة.. لا تسأل عن الوسيلة فمنابر "بير السلم" كفيلة أن تكون صوتا مسموعا ومنتشرا لهؤلاء..


هل تريدون تقييم الوضع العام لمهنة الصحافة والإعلام بدقة؟.. فقط انظروا لمدة دقيقة واحدة في عيون الأجيال الجديدة ستقرأون كلاما كثيرا جدا.. الشباب محبط للغاية.. لا يقوى حتى علي الصبر.. ولا يتحمل الانتظار طويلا.. ولا يعترف أصلا بمقولة "المهنة محتاجه صبر".. يطاردهم هاجس القلق ليل نهار.. ويهمس في اذانهم طوال الوقت صوت من السماء يخبرهم بأن "المهنة في خطر"..

التحديات _ ولا ننكر _ كبيرة جدا .. مواقع التواصل الاجتماعي تصدرت المشهد.. الملايين يدعون العمل بالمهنة.. الأزمات المالية الطاحنة تضرب مؤسسات صحفية وإعلامية عديدة.. سوق شراء الصحف الورقية تراجع كثيرا.. أبناء السلطة الرابعة مستاؤون من غياب التطوير والخطط البديلة من أصحاب القرار..


كنا نسمع كثيرا منذ فترة ليست بطويلة أن المهنة تمرض ولا تموت، فهي رائدة التنوير وتشكيل الوعي في المجتمعات .. لكن أي مرض هذا الذي يطول كل هذا الوقت؟ .. أي مهنة هذه التي أصبح جسدها غير قابلا لدماء جديدة؟.. أي مجال يمكن أن يحقق ذاته وقد أصبح الجميع يتحدث باسمه؟ ..

أساذتذتنا من اسطوات القلم كانوا يطمئنوننا دائما بأن صاحبة الجلالة ستظل سلطة رقابية علي عمل المؤسسات.. تكشف المخالفات والتجاوزات، وتشارك في الإيقاع بأباطرة الفساد والمرتشين.. تسلط الضوء علي النجاحات والإنجازات، وترصد معاناة الناس بمصداقية وحيادية، لا تنافق ولا تجامل مسؤول على حساب البسطاء.. ولا تهاجم _ حماقة_ مسؤولا من أجل الهجوم..

كانوا يعلمونا أن "الصحفي" كاتب كبير لديه القدرة علي تشكيل وعي أمة.. صاحب قلم حر لا يحيد عن كتابة الحقائق والمعلومات الموثقة والصحيحة.. موضوعاته مرجع للمعلومة .. وكتاباته دقيقة لا تحتمل التوقعات.. لكن فجأة صوتهم توقف .. ربما بح من الحديث غير المجدى.. لا أعلم لماذا كل هذا الصمت والسكوت علي هذا الوضع .. إن لم يملكون هم خطة تطوير حقيقية فمن يملك؟ ..

جلست مع أصدقاء حديثي التخرج من حملة المؤهلات الإعلامية.. رأيت في عيونهم طاقة سلبية مخيفة.. أحدهم روى لي رحلته إلى ٥ مؤسسات صحفية معروفة لطلب التدريب .. وهنا عندما أذكر مصطلح "التدريب" أقصد العمل دون مقابل أي بالتطوع.. يحضر يوميا إلي الجريدة ويستقل الميكروباص واتوبيسات النقل العام ليصل إلى أماكن الأحداث دون مقابل..

يتردد علي أقسام الشرطة والمحاكم والنيابات ويصطف في طابور المتهمين والمسجلين خطر للحصول علي موضوع دون مقابل.. يتقصي ويسأل ويغامر ويجلس لساعات طويلة علي أجهزة الحاسوب دون مقابل.. يحكي لي أن رحلته انتهت بالفشل، فقد أغلقت أمامه كل الأبواب بحجة أن هناك اكتفاء ذاتيا حتى من المتطوعين.. نعم فقد استغنوا عن خدماته في يوم وليلة..


في النهاية لا أعلم إلى متى يستمر هذا الوضع ؟.. لا أعلم متى تستعيد صاحبة الجلالة عافيتها من جديد؟.. متى تطرد الشاشات مقدمي برامجها من حملة المؤهلات المتوسطة وغير المتخصصين؟.. ما زلت انتظر نصائح اساتذتي لي بأن المهنة قادمة كما كنت.. وأنها تمرض ولا تموت ..