الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشا شكر تكتب: خالد جلال وسينما مصر

صدى البلد

عندما نتحدث عن خالد جلال يحتار العقل من أي جانب عليه مداهمة هذه الطاقة المصرية الأصيلة للحديث عنها. 

هل نتحدث عن خالد جلال المخرج أم الممثل أم الكاتب أم مكتشف المواهب وصانعها أم الشخص الأكاديمي أم الإنسان المصري المسئول الذي أخذ علي عاتقه بعض المهام داخل وزارة الثقافة. فخالد جلال كل هؤلاء معًا. وهو أيضًا الزوج والأب والزميل والصديق والأهم إنه هو الإنسان المصري الأصيل الذي تتجلى فيه هوية وسمات الإنسان الوطني المحب بإخلاص لمصرنا الغالية.

هو بالفعل طاقة فن عظمية وطاقة مصرية تعطي في اتجاهات عدى دون الحديث كثيرًا عما يقوم به هذا الإنسان المصري الفريد في عطائه. دعوني أحدثكم هنا في هذه المقالة عن دور أهم دور يقوم به خالد جلال في مجتمعنا من وجهة نظري وقليلون جدا قاموا بهذا الدور لأنه دورًا يتطلب الكثير من إنكار الذات ويتطلب إنسان محب لما يقوم به فيتمنى الخير والتوفيق والنجاح بصدق لمن حوله وهي سمات إنسانية بالدرجة الأولي قبل أن تكون مهنية.

ويتطلب هذا الدور تمرير خبرات خلّاقة فريدة لمواهب تشق طريقها في بداية رحلتها وكذلك إعطاء بريق النجومية لأشبال الفن المصري الجدد وهم في بداية طريقهم. والحقيقة أن تمرير مسئولية الشهرة لأشخاص لا يعلم المجتمع عنهم شيئًا مسئولية كبيرة ويتحمل هذه المسئولية خالد جلال. والحقيقة إنه يضع في اعتباره عند تخرج ابنائه مراحلهم القادمة والمستقبلية وليست المرحلة التي يكون فيها هو المسئول فقط. يعتبر نفسه الأساس والمرحلة المؤسسة لجميع المراحل وهو بالفعل يغرس العديد من البذور التي يجني ثمارها في المستقبل المجتمع لأنه فاز بمواهب حقيقة تتميز بالوعي.

والأهم في مدرسة خالد جلال بإنه يشارك في بناء المجتمع المصري من خلال إعطاء القدوة الحسنة. فالمواهب لا تصلح دون وجود منظومة راقية من القيم التي تناسب مجتمعنا المصري والعربي. الشهرة مسئولية والخروج للمجتمع مسئولية. والشهرة تمر من خلال خالد جلال على مراحل دقيقة أولًا يتحمل هو مسئولية تقديم فنانين المستقبل للساحة الفنية والمجتمع وهي مسئولية ليست بالهينة على الإطلاق. تتطلب مجهود كبير ومستوي عال من الانضباط والفحص والتدقيق حتى لا تنقلب المسئولية إلى سلاح مضاد ينقلب المجتمع به عليه. 

وتشهد الأعمال الفنية التي يقدمها نجوم قدمهم المخرج خالد جلال للمجتمع أنهم فنانيين على قدر عال من الموهية وكذلك قدر عال من الانضباط والحكمة للوصول لمراحل النضج تدريجيًا كما شهدنا هذا مع عدة نجوم تبناهم خالد جلال في بداية مشوارهم.

الرؤية التي يتمتع بها خالد جلال في تقديم نجوم الغد عامل هام إذا لم يكن الأهم في تقديم المواهب وهنا تأتي حنكته في صناعة وتكوين المواهب وتشكيلها. لأنه قد تأتيك الموهبة على طبق من فضة ولكن غياب الرؤية لتوظيفها يحرمها من الظهور وخروجها الحياة في أي إتجاه. وفي كل عمل يقدمه خالد جلال من خلال مشروعات التخرج نلمس رؤيته في توظيف المواهب وإرشادها لأفضل ما يبرز مواطن قوتها. وهو لا يضع موهبة في موضع يعرضها للنقد أبدًا وهذه هي سمات القيادة. القائد يقود ليفوز ويتنصر بجيشه من الموهوبين وانتصاره يكون انتصارًا جماعيًا.

في كل مرة أذهب لمسرح خالد جلال لأشاهد أبنائه وبناته من الموهوبين أقرأ الكثير بين السطور في شخصية خالد جلال المخرج والإنسان. النجاح لا يأتي لأننا نقوم بكل ما يجب أن نقوم به فهذا جزء منه. ولكن النجاح شخصية وثقافة ووعي ووطنية وإلمام بدور مجتمعي يجب القيام به وكل هذه الصفات تتوفر في أعمال القائد خالد جلال.

منذ أن بدأت أذهب لمشاهدة أعمال خالد جلال في المسرح دائما تأتي أعماله مواكبه وعلى سبيل المثال لا الحصر قد تعبر عن لحظة سخرية نريد أن نضحك بها على بعض مجريات الأمور مثل مسرحية قهوة سادة وقد تعطينا شحنة وطنية نحتاجها بشدة من خلال أغاني وطنية وقد تأتي على شكل مراجعة لقضية ومناقشة موضوع هام مثل السينما المصرية وعراقتها.

شاهدت مؤخرًا عرض المخرج خالد جلال الجديد "سينما مصر" والذي يعرض حاليًا في مركز الإبداع والذي يحتفي فيه بتاريخ وأمجاد السينما المصرية وعصرها الذهبي ويشاركنا فيه بأمله الكبير في المستقبل بتقديمه لسبعة وستين موهبة جديدة وهي أكبر الدفعات التي قام خالد جلال بتخريجها من الممثلين حتى الآن. ودائمًا تعزف أعمال خالد جلال معزوفة تخاطب شيئًا بداخلنا وربما حان الوقت بالفعل أن نناقش أكبر سؤال في حياتنا ماذا حدث للسينما المصرية؟ سؤال يطرحه خالد جلال برؤية جديدة جدًا يدعونا هو بيها للبحث عن محبوبتنا ومصدر سعادتنا وبهجتنا على مدار عشرات السنوات. أين هى السينما المصرية من سنواتها الذهبية أين هي من ذاكرتها؟. للتأكيد على فكرة أن خالد جلال دائمًا ما يعزف على وتر بداخلنا قبل أن أدخل العرض كنت قد كتبت مقالة باللغة الإنجليزية عن السينما المصرية وسنواتها الذهبية وكأن الدوائر تكتمل بالصدفة البحتة بحضوري هذا العرض المميز عن السينما المصرية.

يقدم المخرج خالد جلال ٦٧ موهبة جديدة بعضهايمثل وبعضها يغني وبعضها يرقص والبعض منهم يقوم بكل ما ذكرته في آن واحد ولكنك لا تشعر أبدًا بالحاجة للمقارنة بيهم وبين أية من المواهب الكل يظهر بالمظهر اللائق وطبقا لإمكانياته التي تظهره وتضعه في أفضل الحالات لينال تقدير الجمهور الذي يشاهده. سيكون الحديث ظالمًا إن تحدثت عن بعض الممثلين دون غيرهم ولكن يكفي أن أشير أن الاستاذ خالد جلال وضعهم في أصعب الاختبارات والتحديات الممكنة. الاختبار الصعب أن تطلب من ممثل أو ممثلة في أول المشوار أن تقوم بدور قامت به شادية أو ليلي مراد أو سعاد حسني أو قام به عبد الحليم حافظ أو اسماعيل ياسين وتطلب منه مواجهة جمهور متحيز لكل نجوم الحقبة الذهبية للسينما ثم تجد الجمهور يتفاعل مع هذه المواهب الجديدة ويصفق لهم تصفقًا حادًا. من وجهة نظري على أي سبّاح أو سبّاحة يريد أن يسبح في هذا البحر عليه يكون تعلم السباحة وأتقنها اتقانًا شديدًا حتى لا يغرق أمام الجمهور الواعي والمحب للسينما والذي يشاهده كل ليلة على المسرح فأي تعليق سلبي أو إيماءة سلبية لمواهب شابة في مقتبل المشوار قد تسبب عاهة معنوية صعب الشفاء منها ولكن واضح أن التدريب كان شاقًا ومضنيًا حتى يظهر العرض بهذا الاتقان والقبول العالي للمواهب التي أشعر بالفخر الشديد لوجودها واكتشافها.

حقيقي مصر ولّادة و لكن مواهب أولادها وبناتها بحاجة إلى حضّانة ترعى مواهبهم وتصل بها إلى بر الأمان وهذا هو الدور الذي يلعبه ستوديو المواهب. تأتي المواهب لتُصقل ويتم إعدادها جيدًا لتخرج للنور مُعدة جاهزة لمواجهة الجماهير في مصر والعالم العربي. فمصر لا تقدم مواهبها للسوق المحلي فقط بل هم نجوم ونجمات مصر والعالم العربي معًا. ٦٧ موهبة يقدمها خالد خلال من مركز الإبداع من قلب القاهرة على وشك الخروج إلى عالم الشهرة وإلى ملايين المشاهدين في جميع أرجاء الوطن العربي.

يطمئنا كثيرًا خالد جلال بما يقوم به على مجتمعنا من خلال وزارة الثقافة ويطمئنا على شبابنا الطموح المشرف والجاد. تعلمنا مدرسة خالد جلال أن منتج صناعة الترفيه منتج يتميز بالانضباط والاحترام والالتزام والوطنية. مطمئنون لأننا نرى في أعمال خالد جلال الإنسان المصري ومعدنه الطيب وهويته الأصيلة التي هي عماد المجتمع وسر صلابته وقوته ومروره من الأزمات.